تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد أشار القرآن الكريم في آية أخرى إلى المصدر الذي جاء منه هذا الدخان حيث ذكر أن السموات والأرض كانت كتلة واحدة ثم تفتفت جميع مادة هذا الكون من هذه الكتلة وذلك في قوله تعالى "أولم يرى الذين كفروا أنّ السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ أفلا يؤمنون" الأنبياء 30. وممّا يؤكد أيضا على أن هذا الدخان قد نتج عن انفجار كوني ضخم هو إشارة القران إلى أن الكون في توسع مستمر والتوسع لا يتأتى إلا إذا بدأ الكون من جرم صغير وبدأ حجمه بالازدياد وذلك لقوله تعالى "والسماء بنيناها بأييد وإنّا لموسعون" الذاريات 47.

إن اختيار عملية الانفجار لتكون بداية لخلق الكون تدل على مدى علم من اختارها حيث أن الكون لن يكون مستقرا أبداً لو تم خلقه بغير هذه الطريقة. ومما يدل على محدودية علم البشر هو أن أحد أعظم علمائهم في القرن العشرين وهو ألبرت أينشتاين كان يظن أن الكون ساكنا وهذا لا يمكن أن يكون أبداً حيث أن الكون سينهار على نفسه بسبب قوة الجاذبية بين أجرامه.

فهذا الكون لا يمكن أن يكون مستقرا إلا إذا كان كل جرم من أجرامه في حالة حركة مستمرة ولو حدث أن توقف أي جرم عن الحركة لأنجذب فوراً إلى أقرب الأجرام إليه. ولهذا فقد اختار الله سبحانه نوعين من الحركة لهذه الأجرام حركة دائرية وأخرى خطية فالحركة الدائرية اختارها الله لحفظ الأقمار حول الكواكب والكواكب حول الشموس والشموس حول مراكز المجرات ولوقف هذه المتوالية اختار الله الحركة الخطية لحفظ المجرات من الإنجذاب لبعضها حيث أنها تتحرك في خطوط مستقيمة باتجاهات خارجة من مركز الإنفجار وصدق الله العظيم القائل "والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدّرناه منازل حتّى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكلّ في فلك يسبحون" يس 38 - 40. إن حركة الأجرام الدائرية حول مراكز دورانها يمكن أن تبقى إلى ما لانهاية حيث أنها تسبح في فضاء لا وجود لقوى الاحتكاك فيه ولكن حركة المجرات الخطية لا يمكن أن تستمر إلى ما لانهاية وذلك بسبب تأثير قوة الجاذبية لجميع مجرات هذا الكون على كل مجرة. وبما أن محصلة قوة الجذب على كل مجرة تكون باتجاه مركز الكون الذي هو مكان الانفجار العظيم فإن السرعة الخطية للمجرات لا بد أن تتباطأ تدريجياً إلى أن تصل للصفر وعندها تبدأ المجرات بالتسارع باتجاه مركز الكون لينهار الكون على نفسه ويعود من حيث بدأ وصدق الله العظيم القائل "يوم نطوي السماء كطيّ السجلّ للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنّا كنّا فاعلين" الأنبياء 104. ومما يدل على لامحدودية علم من خلق هذا الكون أن قوة الانفجار هذا قد تم حسابها بشكل بالغ الدقة بحيث يكون لهذا الكون عمرا محددا لا يعلمه على وجه التحديد إلا الله ويقدر العلماء ما مضى من عمر هذا الكون حوالي 13.7 بليون سنة.

لقد أصيب العلماء بالدهشة من البساطة المتناهية التي كان عليها الكون عند بداية خلقه حيث بدأ بثلاثة جسيمات فقط وهي البروتونات والنيوترونات والإلكترونات ثم وصل إلى هذا الشكل المعقد الذي نراه عليه اليوم. ويمكن أن نستدل على هذا التعقيد من كثرة التخصصات العلمية التي ابتدعها العلماء لكي يتمكنوا من دراسة كل ما في هذا الكون من مخلوقات ولم يتوقف الأمر عند التخصصات الرئيسية كالفيزياء والكيمياء والأحياء والجيولوجيا والفلك بل ظهر في كل من هذه التخصصات الرئيسية تخصصات فرعية بحيث يصعب على مختص في فرع ما فهم الأبحاث في أقرب الفروع إليه. وممّا أثار دهشة العلماء أيضا أن أعداد وأنواع الكواركات التي انبثقت من هذا الانفجار العظيم كانت محسوبة بدقة بالغة بحيث أنها أنتجت بعد اتحادها عدد من البروتونات يساوي تماما عدد الإلكترونات وكمية من النيوترونات تكفي لتصنيع جميع العناصر الطبيعية وهذا لا يمكن أن يتم إلا إذا كان الذي كتب المعادلات الفيزيائية لهذا الانفجار لا حدود لعلمه وقدرته. ومن عجائب التقدير في عملية خلق الكون أنه لو زاد عدد البروتونات عن عدد الإلكترونات أو العكس بفرق مهما بلغ في الضآلة فإن جميع الأجرام السماوية ستصبح مشحونة بشحنات كهربائية متماثلة. وبما أن القوة الكهرومغناطيسية تزيد شدتها ببليون بليون بليون مرة شدة قوة الجاذبية فإنها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير