تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والتلازم بينهما أصيل، فلا تتصور إرادة جازمة بلا علم، بل لابد أن يسبقها علم يقيني، ولا يتصور علم يقيني بلا إرادة جازمة تثمر عملا، فمن سمع نصوص الوعد فلم يمتثل، أو سمع نصوص الوعيد فلم ينته، فلا يقال بأنه علم العلم النافع، وإن كان مصدقا بالوعد والوعيد، لأنه ما انتفع بهذا العلم، فمعرفة النصوص عنده أشبه ما تكون بـ "الترف العلمي" الذي لا طائل من وراءه، والنصوص إنما نزلت ليعمل بها، فمن أعرض عن العمل بها عمل بغيرها لا محالة لأن نفسه متحركة حساسة تطلب جنس العمل فإن لم تعمل بالحق عملت بالباطل.

وإلى هذا المعنى أشار ابن تيمية بقوله:

"والإرادة الجازمة مع القدرة تستلزم وجود المراد ووجود المقدور عليه منه، فالعبد إذا كان مريدا للضلاة إرادة جازمة مع قدرته عليها صلى، فإذا لم يصل مع القدرة دل ذلك على ضعف الإرادة".

"مجموع الفتاوى"، (7/ 525، 526).

ولذا كان التلازم بين نوعي التوحيد ظاهرا في كثير من آي القرآن كـ:

قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، فمن علم أن الله خالقه وخالق آباءه، تحققت له التقوى العملية التي لا تكون إلا بالتزام المأمورات واجتناب المحظورات.

وقوله: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ)، فمن علم أن الله، عز وجل، هو الرب المتفرد بالخلق والرزق والإحياء والإماتة ............... إلخ، من علم ذلك لزمه أن يعمل بما علم، فلا يعبد إلا الله، ولا يدعو إلا الله، ولا يخشى إلا الله، فلا ند له من وثن أو قبر أو ولي أو شيخ أو إمام .............. إلخ، فما ضل من ضل في هذا الباب إلا بتقصيره في جانب العلم، وإن كانت نيته صالحة، ولكن فساد علمه أو نقصه، أفسد عليه عمله، والنية الصالحة لا تصلح عملا فاسدا.

وطرق الناس في هذين الأصلين، كما يقول أبو العباس، رحمه الله، ثلاث طرق:

طريق شرعي هو: "النظر فيما جاء به الرسول، والاستدلال بأدلته والعمل بموجبها، فلا بد من علم بما جاء به، وعمل به، لا يكفي أحدهما".

و "طريق العلم لابد فيه من العلم النبوي الشرعي بحيث يكون معلومك: المعلومات الدينية النبوية، ويكون عملك مطابقا لما أخبرت به الرسل، وإلا فلا ينفعك أي معلوم علمته، ولا أي شيء اعتقدته فيما أخبرت به الرسل، بلا لابد من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.

وكذلك "الإرادة" لابد فيها من تعيين "المراد" وهو الله، و "الطريق إليه"، وهو ما أمرت به الرسل. فلابد أن تعبد الله، وتكون عبادتك إياه بما شرع على ألسنة رسله.

إذا لابد من تصديق الرسول فيما أخبر علما، ولابد من طاعته فيما أمر عملا، ولهذا كان "الإيمان": قولا وعملا مع موافقة السنة ............................ (فالأمور الخبرية لا بد أن تطابق علم الله وخبره والأمور العملية لا بد أن تطابق حب الله وأمره فهذا حكمه وذاك علمه) ".

بتصرف يسير من "مجموع الفتاوى"، (10/ 486، 487)

فلا ينفع قول وعمل على خلاف منهاج النبوة، فلا طريق موصل إلى الله، عز وجل، إلا طريق الوحي المعصومة، وما عداه من طرق أهل النظر من الفلاسفة والمتكلمين، وطرق أهل الرياضة والذوق من المتصوفة والزاهدين، غير معصومة، فكيف يعدل عاقل عن الأولى إلى الثانية؟!!!!.

وأما الطريقان المبتدعان فهما:

طريق الصوفية الذين بنوا أمرهم على الإرادة ولا بد منها لكن بشرط أن تكون إرادة عبادة الله وحده بما أمر، لا أي إرادة ترد على قلب العبد فيستحسنها وإن لم يكن لها مستند شرعي، فكيف إذا كانت مناقضة للشرع أصلا؟!!

وطريق المتكلمين الذين بنوا أمرهم على النظر المقتضى للعلم ولا بد منه لكن بشرط ان يكون علما بما أخبر به الرسول والنظر فى الأدلة التى دل بها الرسول وهي آيات الله ولا بد من هذا وهذا.

بتصرف من "مجموع الفتاوى"، (19/ 172).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير