تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

واهتم ابن تيمية بمناقشة الفلاسفة في زعمهم أن الكمال ليس إلا في العلم المجرد، وهذا ما يظهر في مثلهم التي هي أشبه ما تكون بالمعاني التجريدية التي لا توجد إلا في الأذهان، أو ما يسمى في لغتنا المعاصرة بـ "المثل الجوفاء"، فهي لا تصلح لإقامة دين أو دنيا، لأنها تناقض سنن الله، عز وجل، في كونه، فلم يخلق البشر ملائكة بلا نفوس تشتهي وتتحرك لطلب المال والولد ..... إلخ، ولولا هذه الشهوات التي تفنن القوم في "قتلها"، لما عمرت الأرض، ولانقرض النوع البشري، وقد تابعهم على هذا الأصل الفاسد فئام من الصوفية، لا سيما متأخريهم، الذين جنحوا إلى الزهد المنحرف، فهجروا الدنيا وعمارتها، وأما الوحي فإنه "يهذب" هذه الشهوات، ويوجهها لعمارة الدنيا والآخرة، فلا إفراط ولا تفريط.

وإلى هذا الخلل أشار ابن تيمية بقوله:

"وهؤلاء ظنوا أن الكمال ليس إلا في العلم وأن العمل إنما هو وسيلة فقط ثم خرجوا في العلم والعمل عن منهاج الأنبياء وسننهم".

"الصفدية"، (2/ 248).

ويزيد ابن تيمية الأمر وضوحا فيقول:

وهؤلاء رأوا أن النفس لها قوتان:

قوة علمية وقوة عملية.

والقوة العملية نوعان:

قوة الحب والبغض

فالشهوة من الحب، والغضب من البغض، فبالشهوة تجلب المنفعة، والغضب لدفع المضرة وصلاح الجميع بالعدل فجعلوا الحكمة العملية في هذه الأربع في: (العلم) و (العدل) و (العفة) و (الشجاعة أو الحلم)، فالعفة اعتدال قوة الشهوة، والحلم أو الشجاعة اعتدال قوة الغضب. اهـ

ووجه هذه القسمة الرباعية: (العلم) و (العدل) و (العفة) و (الشجاعة أو الحلم)، كما يقول الشيخ الدكتور عبد السلام محمد عبد الكريم، حفظه الله، في رسالة "العلم والعمل" من كلام شيخ الإسلام، وجهها أن:

"العلم": هو القوة العلمية وهذا واضح بلا إشكال.

و (العفة) و (الشجاعة أو الحلم): يقابلان (الشهوة)، و (الغضب)، وهما قسما القوة العملية.

و (العدل): هو اعتدال ذلك كله ووقوعه على الوجه الملائم.

وهذا التقسيم، وإن كان مقبولا من الناحية العقلية، إلا أنه يرد عليه كونه:

"جزء من العمل الذي أمرت به الرسل وما ذكروه، أي الفلاسفة، مع هذا أمر مجمل فإن العلم له أنواع كثيرة والشهوة والغضب يحتاج معرفة صلاحهما والعدل فيهما إلى تفصيل لا يكفي فيه هذا الإجمال وكذلك العدل فلا ريب أنه لابد في سلوك الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين من إصلاح حال هذه القوى". اهـ

الصفدية، (2/ 249، 250).

فنظرتهم، كما تقدم، نظرة "أفلاطونية" مجملة، خلاف نظرة الوحي العملية المفصلة التي تفي باحتياجات البشر الدينية والدنيوية.

ومن هنا ظهر خلل من تابع أولئك من الداخلين في الإسلام، سواء كانوا أئمة يقتدى بهم، كأبي حامد الغزالي، رحمه الله، أم كانوا ممن لا نصيب لهم من الإسلام إلا الاسم، كمن عرفوا بالفلاسفة الإسلاميين، وعلى رأسهم: ابن سينا والفارابي وأصحاب رسائل إخوان الصفا، فلا قدم صدق لهم في الإلهيات الغيبية، وإن كانت لهم مشاركة مميزة في الطبيعيات التي تعتمد على الحس والمشاهدة.

فالعبادة في دين الإسلام غاية لا وسيلة، مصداقا لقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، ولم يقل: إلا ليتخذوا العمل وسيلة إلى العلم المجرد فإذا ما حصلوه سقط عنهم العمل لعدم الحاجة إليه بعد بلوغ مراتب التحقيق واليقين!!!!!!!!.

والله أعلى وأعلم.

ملاحظة: ترتيب هذه الثنائية، استفدت جله من رسالة "العلم والعمل" من كلام شيخ الإسلام، رحمه الله، للشيخ الدكتور عبد السلام بن محمد بن عبد الكريم، حفظه الله، وله جهد مشكور في تقريب علوم ابن تيمية في رسائل لطيفة عظيمة النفع، فجزاه الله خير الجزاء.

ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 02 - 2007, 04:27 ص]ـ

ومع ثنائية:

(وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)

مع ثنائية: النقل والعقل.

وهي الثنائية التي اهتم ابن تيمية بتأصيلها في مواضع كثيرة من مصنفاته، بل أفردها بمصنف: "درء تعارض العقل والنقل"، وهو مصنف فريد في بابه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير