تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولو كانت العقول مستقلة بمعرفة الحق وأحكامه، كما يقول السفاريني رحمه الله، "لكانت الحجة قائمة على الناس قبل بعث الرسل وإنزال الكتب، واللازم باطل بالنص: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)، فكذا الملزوم".

وقد اضطر ابن تيمية، رحمه الله، إلى مجابهة القوم، فصنف في الرد عليهم، ولم يكن بد من منازلتهم بنفس سلاحهم، فعكف على دراسة الفلسفة والكلام دراسة الناقد المستبصر، فأكثر كما يقول البزار، رحمه الله، في "الأعلام العلية" من التصنيف في الأصول، ولما سئل أن يصنف في الفروع، قال: " الفروع أمرها قريب ومن قلد المسلم فيها أحد العلماء المقلدين جاز له العمل بقوله ما لم يتيقن خطأه وأما الأصول فإني رأيت أهل البدع والضلالات والأهواء كالمتفلسفة والباطنية والملاحدة والقائلين بوحدة الوجود والدهرية والقدرية والنصيرية والجهمية والحلولية والمعطلة والمجسمة والمشبهة والراوندية والكلابية والسليمية وغيرهم من أهل البدع قد تجاذبوا فيها بأزمة الضلال وبان لي أن كثيرا منهم إنما قصد إبطال الشريعة المقدسة المحمدية الظاهرة العلية على كل دين وأن جمهورهم أوقع الناس في التشكيك في أصول دينهم ولهذا قل أن سمعت أو رأيت معرضا عن الكتاب والسنة مقبلا على مقالاتهم إلا وقد تزندق أو صار على غير يقين في دينه واعتقاده.

فلما رأيت الأمر على ذلك بان لي أنه يجب على كل من يقدر على دفع شبههم وأباطيلهم وقطع حجتهم وأضاليلهم أن يبذل جهده ليكشف رذائلهم ويزيف دلائلهم ذبا عن الملة الحنيفية والسنة الصحيحة الجلية.

ولا والله ما رأيت فيهم أحدا ممن صنف في هذا الشأن وادعى علوم المقام إلا وقد ساعد بمضمون كلامه في هدم قواعد دين الإسلام، وسبب ذلك إعراضه عن الحق الواضح المبين وعن ما جاءت به الرسل الكرام عن رب العالمين واتباعه طرق الفلسفة في الاصطلاحات التي سموها بزعمهم حكميات وعقليات وإنما هي جهالات وضلالات وكونه التزمها معرضا عن غيرها أصلا ورأسا فغلبت عليه حتى غطت على عقله السليم فتخبط حتى خبط فيها خبط عشواء ولم يفرق بين الحق والباطل وإلا فالله أعظم لطفا بعباده أن لا يجعل لهم عقلا يقبل الحق ويثبته ويبطل الباطل وينفيه لكن عدم التوفيق وغلبة الهوى أوقع من أوقع في الضلال وقد جعل الله تعالى العقل السليم من الشوائب ميزانا يزن به العبد الواردات فيفرق به بين ما هو من قبيل الحق وما هو من قبيل الباطل ولم يبعث الله الرسل إلا إلى ذوي العقل ولم يقع التكليف إلا مع وجوده فكيف يقال انه مخالف لبعض ما جاءت به الرسل الكرام عن الله تعالى هذا باطل قطعا يشهد له كل عقل سليم لكن ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.

قال الشيخ الإمام قدس الله روحه، أي: ابن تيمية، والكلام للبزار، فهذا ونحوه هو الذي أوجب أنى صرفت جل همي إلى الأصول وألزمني إن أوردت مقالاتهم وأجبت عنها بما أنعم الله تعالى به من الأجوبة النقلية والعقلية". اهـ

وقد نجح أبو العباس في نقض بنيان القوم، أيما نجاح، وفيما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم غنى عن ترهات القوم.

فمن المحال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أمته كل شيء حتى الخراءة، وقال صلى الله عليه وسلم:

{تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك}.

وقال فيما صح عنه أيضا: {ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم}. .

وقال أبو ذر: (لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما).

وقال عمر بن الخطاب: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فذكر بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه)، رواه البخاري.

ومحال مع تعليمهم كل شيء لهم فيه منفعة في الدين - وإن دقت - أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم ويعتقدونه في قلوبهم في ربهم ومعبودهم رب العالمين الذي معرفته غاية المعارف وعبادته أشرف المقاصد والوصول إليه غاية المطالب.

بل هذا خلاصة الدعوة النبوية وزبدة الرسالة الإلهية فكيف يتوهم من في قلبه أدنى مسكة من إيمان وحكمة أن لا يكون بيان هذا الباب قد وقع من الرسول على غاية التمام ثم إذا كان قد وقع ذلك منه: فمن المحال أن يكون خير أمته وأفضل قرونها قصروا في هذا الباب زائدين فيه أو ناقصين عنه.

ثم من المحال أيضا أن تكون القرون الفاضلة - القرن الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم - كانوا غير عالمين وغير قائلين في هذا الباب بالحق المبين لأن ضد ذلك إما عدم العلم والقول وإما اعتقاد نقيض الحق وقول خلاف الصدق وكلاهما ممتنع.

بتصرف يسير من "الحموية"، ص5، 6.

والله أعلى وأعلم.

ـ[أم الزهراء]ــــــــ[20 - 02 - 2007, 01:15 م]ـ

بارك الله فيك وجزاك الفردوس الأعلى

وجعله في موازن حسناتك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير