تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"وأما مجاهدة الكفار باللسان فما زال مشروعا من أول الأمر إلى آخره فإنه إذا شرع جهادهم باليد فباللسان أولى وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم: جاهدوا المشركين بأيديكم وألسنتكم وأموالكم.

وكان ينصب لحسان منبرا في مسجده يجاهد فيه المشركين بلسانه جهاد هجو وهذا كان بعد نزول آيات القتال وأين منفعة الهجو من منفعة إقامة الدلائل والبراهين على صحة الإسلام وإبطال حجج الكفار من المشركين وأهل الكتاب".

بتصرف يسير من "الجواب الصحيح"، (1/ 237).

ويشير ابن تيمية، رحمه الله، للخلل الحاصل، في الأزمان المتأخرة في هذه الثنائية من جهة:

أنها كانت متحققة في شخص النبي صلى الله عليه وسلم، أعلم الناس بالكتاب وأقومهم بالجهاد، ومن بعده في الخلفاء الأربعة، رضوان الله عليهم، الذين كانوا علماء بالكتاب مجاهدين بالسنان، فيقول:

"ولهذا كانت سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم و سائر خلفائه الراشدين و من سلك سبيلهم من ولاة الأمور فى الدولة الأموية و العباسية أن الإمام يكون إماما فى هذين الأصلين جميعا الصلاة والجهاد فالذى يؤمهم فى الصلاة يؤمهم فى الجهاد وأمر الجهاد والصلاة واحد فى المقام و السفر و كان النبى صلى الله عليه و سلم إذا استعمل رجلا على بلد مثل عتاب بن أسيد على مكة و عثمان بن أبى العاص على الطائف و غيرهما كان هو الذي يصلي بهم و يقيم الحدود و كذلك إذا استعمل رجلا على مثل غزوة كاستعماله زيد بن حارثة وابنه أسامة وعمرو بن العاص وغيرهم كان أمير الحرب هو الذي يصلي بالناس و لهذا استدل المسلمون بتقديمه أبا بكر فى الصلاة على أنه قدمه فى الإمامة العامة، (إذ كان، رضي الله عنه أحق الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم بولاية الدين والدنيا).

وكذلك كان أمراء الصديق كيزيد بن أبي سفيان و خالد بن الوليد و شرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص وغيرهم أمير الحرب هو إمام الصلاة.

وكان نواب عمر بن الخطاب كاستعماله على الكوفة عمار بن ياسر على الحرب و الصلاة و ابن مسعود على القضاء و بيت المال و عثمان بن حنيف على الخراج"

بتصرف يسير من "مجموع الفتاوى"، (35/ 38).

ثم نقص الأمر لما صار الأمر ملكا في عهد معاوية، رضي الله عنه، وإن تحقق فيه الأمران: بشهادة ابن عباس، رضي الله عنهما، الذي شهد له بالفقه في الدين، وشهادة سنوات ملكه التي نشط فيها جهاد السيف لنشر الدين ودحر المعتدين، وظل الأمر في تناقص مستمر، وإن ظهرت بعض الطفرات التي اجتمع فيها الكتاب والسيف في شخص السلطان، كـ: طفرة الفتى العمري: عمر بن عبد العزيز، رحمه الله، فقيه السلاطين وسلطان الفقهاء، ولم تخل دولة بني العباس من طفرات مشابهة، ولكنها كانت أدنى منزلة، لعل من أبرزها:

داهية بني العباس، أبا جعفر المنصور، رحمه الله، الذي شهد له مالك، رحمه الله، بالفقه في الدين، إذ أرشده كيف يضع "الموطأ"، وعن سيفه، فحدث ولا حرج، وإن لم يخل من رهق، أي رهق، وغدره بخصومه وتضييقه على آل البيت رضوان الله عليهم أشهر من أن يذكر، وكل يؤخذ من أقواله وأفعاله ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم.

وكذا كان هارون الرشيد، رحمه الله، وإن كان:

أعلى منزلة من جده أبي جعفر في السيف، إذ كان سيفه أنكى في أعداء الدين، زنادقة وكفارا ومبتدعة.

وأدنى منزلة في الكتاب، إذ اشتغل بالحرب والسياسة من أول أمره، ففاته من العلم ما لم يفت جده.

وكذا المأمون، غفر الله له، فهو معدود في جملة علماء عصره، على بدعة فيه، حملته على امتحان سادة العلماء والأولياء في المحنة، فنفر أهل العلم من سيرته.

وكان صقر قريش، الأمير الشريد، عبد الرحمن الداخل، رحمه الله، إمام الصلاة والحرب في أول أمر بني أمية في الأندلس.

وبمرور الزمن ازدادت الفجوة بين طرفي الثنائية، فأصبحت الولاية ولايتين:

ولاية سياسية: معظمة للدين، تأتمر بأمره، فما شرعت إلا نصرة له، وسياسة للدنيا به، كما أشار إلى ذلك الماوردي رحمه الله.

وولاية شرعية: تأمر فتطاع، لها من الهيبة والمكانة في نفس الساسة ما لها، وفي تاريخ الدولة العثمانية المجيدة، يظهر هذا الملمح جليا في العلاقة بين:

السلطان: ممثل الولاية السياسية التنفيذية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير