رسالة: "أصول التفسير"، ص9، وفي "مجموع الفتاوى"، (13/ 329)، وهو الموضع الذي استلت منه رسالة "أصول التفسير"، وأفردت بالطبع، فالإحالة تؤول في حقيقتها إلى موضع واحد هو الموضع الثاني في "مجموع الفتاوى".
فالعلم النافع هو:
النقل الصحيح، وقيد الصحيح: قيد مهم يخرج بمفهومه النقل الخطأ، سواء أكان:
الخطأ غير متعمد كما يقع لكثير من الثقات في أحاديث رووها، فوهموا في بعض ألفاظها، فتفطن نقاد الحديث لذلك من خلال سبر مرويات كل راو مهما بلغت مكانته وعرضها على مرويات أقرانه من الثقات ممن شاركوه في الرواية، وجمع طرق الحديث أصل في هذا الباب، كما أشار إلى ذلك إمام العلل: علي بن المديني، رحمه الله، بقوله: (الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه)، فيقبل ما وافق فيه الثقة أقرانه من الثقات، ويرد ما شذ به عنهم في سند أو في متن، يقول الشعبي رحمه الله: (والله لو أجبت تسعا وتسعين مرة، وأخطأت في مرة لعدوا علي تلك الواحدة)، فلا مجاملة عند أهل الحديث لشيخ، ولو كان أبا أو ابنا، فقد أحصى القوم أخطاء الرواة حتى نقلت لنا كتب الرجال أعداد المرويات التي أخطأ فيها فلان ولم يسمعها فلان من فلان ودلسها فلان عن فلان ............ إلخ، في استقراء عجيب يدل على علو كعب المسلمين في هذا الشأن، وهذا نوع جليل من أنواع علوم الحديث لا يحيط به إلا من أتقن علوم الحديث: رواية ودراية، وهم بشهادة الموافق والمخالف:
أهل الإسلام بين الملل، فقد اختصت هذه الأمة بعلوم لم تعرفها الأمم السابقة على رأسها: علوم: الإسناد، والإعراب، والأنساب.
وأهل السنة بين النحل، فهم أحرص الناس على حفظ كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم، وتمييز صحيحه من ضعيفه.
وعلى هذا النوع من الأخطاء يحمل قول يحيى بن سعيد: (لَمْ نَرَ الصَّالِحِينَ فِي شَيْءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِي الْحَدِيث)، إذ الكذب هنا بمعنى: الخطأ غير المتعمد، وهو ما يقع فيه العباد الزهاد، غالبا، بحسن نية، لقلة بضاعتهم في هذا العلم.
أو كان متعمدا، كما يقع في روايات الكذابين والوضاعين، وقد تفطن لهم، أيضا، نقاد الحديث من أهل السنة، حتى وضعوا معايير إسنادية ومتنية تعرض عليها المرويات قبل قبولها، وألفوا في جرح الرواة وتعديلهم، بل ووضعوا المصنفات التي اختصت بالأحاديث الموضوعة والواهية تحذيرا للأمة منها، فكسروا بذلك شوكة الزنادقة الذين راموا إفساد دين المسلمين، وتحقق موعود الله، عز وجل، بحفظ الذكر بنوعيه: القرآن والسنة: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
والنقل الصحيح لا يسلم له تسليما مطلقا إلا إن كان عن معصوم، لأن المعصوم، من اسمه، معصوم، لا يجوز عليه الخطأ أو النسيان في مقام التبليغ عن الله، عز وجل، وهذا لا يكون إلا للأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، إذ العلم عن الله، عز وجل، لا يعرف إلا من طريقهم، وأعلم الناس به بعدهم، ورثتهم: علماء الملة، الذين ورثوا عنهم علم النبوة، وهؤلاء هم الذين يدخلون في حد:
وإما قول عليه دليل معلوم، فكل من أتى بعد النبي، صلى الله عليه وسلم، كائنا من كان، لا ينتصر لقوله مطلقا كما ينتصر لقول النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يؤخذ من كلامه ما قام عليه الدليل من كلام المعصوم، صلى الله عليه وسلم، ويرد ما عداه، فلا عصمة لقائل بعد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، من: إمام متبوع، أو شيخ، أو ولي .................. إلخ.
ولذا فإن من ضل في هذا الباب، فإنما ضل من أحد أمرين:
إما من إعراضه عن كلام المعصوم.
أو: من تقديم كلام غيره على كلامه، فيقدم كلام: الإمام أو الشيخ أو الولي على كلامه، بحجة أن للقائل منزلة لا يتصور معها معارضته، ولو بالدليل الصحيح الصريح، بل تمادى بعضهم، كغلاة المتصوفة، فادعوا أن للولي منزلة علمية لم يبلغها النبي الذي وقف على شاطئ: ظاهر الشريعة، ولم يخض بحور باطنها، التي خاضها القوم واستخرجوا منها ما استخرجوا من ضلالات أبطلوا بها الأمر والنهي، فالشريعة عندهم: لأتباع الظاهر من العوام، والحقيقة: لأتباع الباطن من الخواص!!!.
¥