ولازم كلامهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، سادة الأولياء، كانوا عواما لم ترق عقولهم إلى إدراك ما أدركه القوم من أسرار، وقد صرح بعضهم، بهذا اللازم، فابتدعوا بدعة: "خاتم الأولياء"، وقالوا بأن خاتم الأنبياء إنما يأخذ العلم من مشكاة خاتم الأولياء!!!!، وحكاية قولهم تغني عن بيان بطلانه.
ويصوغ ابن تيمية الثنائية في عبارة مشابهة فيقول:
"والعلم ما قام عليه الدليل، والنافع منه ما جاء به الرسول"
"مجموع الفتاوى"، (13/ 136).
فالشق الأول: ما قام عليه الدليل، فيكون كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم، أصلا لا فرعا، متبوعا لا تابعا، فأهل السنة نظروا فيما قاله الله والرسول: "فمنه يتعلمون، وبه يتكلمون، وفيه ينظرون ويتفكرون، وبه يستدلون، فهذا أصلهم".
وأما أهل البدع فـ: "لا يجعلون اعتمادهم فى الباطن ونفس الأمر على ما تلقوه عن الرسول بل على ما رأوه او ذاقوه ثم إن وجدوا السنة توافقه وإلا لم يبالوا بذلك فإذا وجدوها تخالفه أعرضوا عنها تفويضا أو حرفوها تاويلا"
"فهذا هو الفرقان بين أهل الإيمان والسنة وأهل النفاق والبدعة".
بتصرف يسير من "مجموع الفتاوى"، (13/ 63).
فالرأي الفاسد لأرباب الكلام الفاسد، والذوق الفاسد لغلاة المتعبدة والزهاد الذين انحرفوا عن منهاج النبوة في باب السلوك، وإن ادعى القوم كشفا، فـ: "الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه أكمل الناس كشفا وهم يخبرون بما يعجز عقول الناس عن معرفته لا بما يعرف في عقولهم أنه باطل فيخبرون بمحارات العقول لا بمحالات العقول.
فمن دونهم إذا أخبر عن شهود وكشف يعلم بصريح العقل بطلانه علم أن كشفه باطل".
بتصرف يسير من "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح"، (4/ 309).
والشق الثاني: والنافع منه هو ما جاء به الرسول، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم اجتمع فيه ما لم يجتمع في غيره فهو: "أعلم الخلق بالحق، وأفصح الخلق في البيان، وأنصح الخلق للخلق".
فاجتمع في حقه: كمال العلم، وكمال الفصاحة التي يبلغ بها هذا العلم، وكمال النصح للخلق: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)، فعجبا لمن استبدل الذي هو أدنى من ركام عقول فلاسفة اليونان، وحكماء فارس والروم بالذي هو خير من كلام محمد صلى الله عليه وسلم!!!!.
وفي الكتاب الذي نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم غنية عما سواه، فهو: "الشاهد في الخبريات والحاكم في الأمريات"، فخبره صدق، وأمره ونهيه عدل، وهو: "الدعوة والحجة، وهو الدليل والمدلول عليه والحكم، وهو الدعوى، وهو البينة على الدعوى، وهو الشاهد والمشهود عليه".
"والله عليم حكيم:
"فالأمور الخبرية" لابد أن تطابق علم الله وخبره.
و "الأمور العملية" لابد أن تطابق حب الله وأمره: فهذا "حكمه" وذاك "علمه"".
ومدار الدين كله على: تصديق الخبر وامتثال الأمر والنهي.
وآيات الكتاب: (هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)، ففيها: المسائل الخبرية التي تهدي السامع، وفيها البراهين العقلية التي يستدل بها الناظر، فهو: هدى نقلي وبيان عقلي، لا كما ادعى المتكلمون، الذين زعموا أن مسائله عارية عن البراهين العقلية، فراحوا يلتمسون لها براهين من كتب أرسطو وشيعته.
وهو المقدم في كل العلوم:
"ففيه من ضرب الأمثال وبيان الآيات على تفضيل ما جاء به الرسول ما لو جمع إليه علوم جميع العلماء لم يكن ما عندهم إلا بعض ما في القرآن ومن تأمل ما تكلم به الأولون و الآخرون في: أصول الدين والعلوم الإلهية وأمور المعاد والنبوات والأخلاق والسياسات والعبادات وسائر ما فيه كمال النفوس وصلاحها وسعادتها ونجاتها لم يجد عند الأولين والآخرين من أهل النبوات ومن أهل الرأي كالمتفلسفة وغيرهم إلا بعض ما جاء به القرآن ولهذا: لم تحتج الأمة مع رسولها وكتابها إلى نبى آخر وكتاب آخر فضلا عن أن تحتاج إلى شيء لا يستقل بنفسه غيره سواء كان من علم المحدثين والملهمين أو من علم أرباب النظر والقياس الذين لا يعتصمون مع ذلك بكتاب منزل من السماء ولهذا قال النبى صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح أنه: (في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن فى أمتى أحد فعمر)، فعلق ذلك تعليقا فى
¥