"إن الصحابة رضوان الله عليهم خير قرون هذه الأمة التى هى خير أمة أخرجت للناس وهم تلقوا الدين عن النبى بلا واسطة ففهموا من مقاصده وعاينوا من أفعاله وسمعوا منه شفاها مالم يحصل لمن بعدهم وكذلك كان يستفيد بعضهم من بعض ما لم يحصل لمن بعدهم وهم قد فارقوا جميع أهل ألارض وعادوهم وهجروا جميع الطوائف وأديانهم وجاهدوهم بأنفسهم وأموالهم.
قال فى الحديث الصحيح: (لا تسبوا أصحابي فوالذى نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ........................ ولهذا لم يطمع الشيطان أن ينال منهم من الإضلال والإغواء ما ناله ممن بعدهم فلم يكن فيهم من يتعمد الكذب على النبى صلى الله عليه و سلم وإن كان له أعمال غير ذلك قد تنكر عليه ولم يكن فيهم أحد من أهل البدع المشهورة كالخوارج و ............... بل كل هؤلاء إنما حدثوا فيمن بعدهم ولم يكن فيهم من طمع الشيطان أن يتراءى له فى صورة بشر ويقول أنا الخضر أو أنا إبراهيم أو موسى او عيسى أو المسيح أو أن يكلمه عند قبر حتى يظن أن صاحب القبر كلمه بل هذا إنما ناله فيمن بعدهم"
بتصرف يسير من "مجموع الفتاوى"، (27/ 388_390).
وهذا ملمح مهم جدا في تاريخ الصدر الأول إذ ظن البعض أن عدم شيوع الكرامات والخوارق، وإن كانت إيمانية موافقة للسنة، بينهم، خلاف من جاء بعدهم ممن فشت الكرامات والخوارق رحمانية كانت أو شيطانية، بينهم، ظن أن ذلك منقصة في حقهم، والصواب أنه: منقبة لهم إذ هو دال على كمال إيمانهم كمالا استغنوا به عما احتاجه من أتى بعدهم من كرامات تثبت خطاهم على الطريق إلى الله، عز وجل، فالأولون أقدامهم راسخة على الطريق لا تحتاج إلى مثبت، ولذا علق الله، عز وجل، الهداية، على مماثلتهم في إيمانهم، فقال: (فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا)، ولم يقل: فإن آمنوا بمثل ما آمن به أرسطو وفلاسفة اليونان وحكماء الهند وفارس، أو: وفقا لمقاييسهم العقلية الفاسدة، فالشأن كل الشأن أن نؤمن كما آمن القوم.
ويقول في موضع ثالث:
"ولا تجد إماما في العلم والدين كمالك والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوايه ومثل الفضيل وأبي سليمان ومعروف الكرخي وأمثالهم إلا وهم مصرحون بأن أفضل علمهم ما كانوا فيه مقتدين بعلم الصحابة وأفضل عملهم ما كانوا فيه مقتدين بعمل الصحابة وهم يرون أن الصحابة فوقهم في جميع أبواب الفضائل والمناقب والذين اتبعوهم من أهل الآثار النبوية وهم أهل الحديث والسنة العالمون بطريقهم المتبعون لها وهم أهل العلم بالكتاب والسنة في كل عصر ومصر"
"مجموع الفتاوى"، (3/ 39)، وشرح العقيدة الأصفهانية، ص165.
ومن بعدهم يأتي ورثة علوم النبوة، كما تقدم، ممن عني بجمع أقوال المعصوم صلى الله عليه وسلم، وإليهم يشير أبو العباس، رحمه الله، بقوله:
"إذا كانت سعادة الدنيا والآخرة هي باتباع المرسلين فمن المعلوم أن أحق الناس بذلك هم أعلمهم بآثار المرسلين وأتبعهم لذلك فالعالمون بأقوالهم وأفعالهم المتبعون لها هم أهل السعادة في كل زمان ومكان وهم الطائفة الناجية من أهل كل ملة وهم أهل السنة والحديث من هذه الأمة فإنهم يشاركون سائر الأمة فيما عندهم من أمور الرسالة ويمتازون عنهم بما اختصوا به من العلم الموروث عن الرسول مما يجهله غيرهم أو يكذب به"
"مجموع الفتاوى"، (4/ 26).
ويستدرك مقيدا:
"ونحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه أو كتابته أو روايته بل نعني بهم كل من كان أحق بحفظه ومعرفته وفهمه ظاهرا أو باطنا واتباعه باطنا وظاهرا وكذلك أهل القرآن.
وأدنى خصلة في هؤلاء محبة القرآن والحديث والبحث عنهما وعن معانيهما والعمل بما علموه من موجبهما ففقهاء الحديث أخبر بالرسول من فقهاء غيرهم وصوفيتهم أتبع للرسول من صوفية غيرهم وأمراؤهم أحق بالسياسة النبوية من غيرهم وعامتهم أحق بموالاة الرسول من غيرهم.
¥