تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم فيما يروي عن ربه عز و جل: (إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر لما سأله الإمارة: (يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم)، وروي عنه أنه قال للعباس عمه: (نفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها) ".

بتصرف يسير من "مجموع الفتاوى(19/ 119).

(وهذا من رحمة الله، عز وجل، أن عدد أبواب الطاعات بحيث يناسب كل مكلف منها ما لا يناسب الآخر تبعا لتفاوت القدرات، فمن الناس من وهبه الله، عز وجل، حافظة قوية وفهما ثاقبا، فالعلم في حقه أولى، ومنهم من وهبه الله، عز وجل، بدنا قويا، فالجهاد في حقه أولى، ومنهم من فتح له في الصلاة، فلا يقدر على الجمع بينها وبين الصيام لأن الصيام يقعده عنها، فالفطر له أولى، ومنهم من قتح له في الصيام ولم يفتح له في الصلاة، ومنهم من رزق سخاوة نفس، فالإنفاق في حقه أولى، ومنهم من اختصه الله، عز وجل، بقضاء حوائج عباده، فسعيه فيها أولى .................. إلخ، وعلى المكلف أن يستعين بالله، عز وجل، ليكتشف الطاعة التي تناسبه، فيشرع في تحصيلها وتثبيتها مستعينا بالله، عز وجل، والشاهد مما مضى: أن هذا التنوع في العبادات داخل الملة الإسلامية الواحدة يشبه إلى حد كبير تنوع شرائع الأنبياء مع كونها ترجع إلى أصول واحدة).

ويواصل ابن تيمية، رحمه الله، فيقول:

"ولهذا إذا قلنا هذا العمل أفضل فهذا قول مطلق ثم المفضول يكون أفضل في مكانه ويكون أفضل لمن لا يصلح له الأفضل، مثال ذلك: أن قراءة القرآن أفضل من الذكر بالنص والاجماع والاعتبار:

أما النص فقوله: (أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهن من القرآن: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)، وقوله: (فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه)، وقوله عن الله: (من شغله قراءة القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين)، وقوله: (ما تقرب العباد إلى الله بمثل ما خرج منه)، وقول الأعرابي له: إني لا استطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلمنى ما يجزينى فى صلاتي فقال: (قل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله اكبر).

وأما الإجماع على ذلك فقد حكاه طائفة ولا عبرة بخلاف جهال المتعبدة.

وأما الاعتبار فإن الصلاة تجب فيها القراءة فإن عجز عنها انتقل الى الذكر ولا يجزيه الذكر مع القدرة على القراءة والمبدل منه أفضل من البدل الذى لا يجوز إلا عند العجزعن المبدل و أيضا فالقراءة تشترط لها الطهارة الكبرى كما تشترط للصلاة الطهارتان والذكر لا يشترط له الكبرى ولا الصغرى فعلم أن أعلى أنواع ذكر الله هو الصلاة ثم القراءة ثم الذكر المطلق، ثم الذكر فى الركوع والسجود أفضل بالنص والإجماع من قراءة القرآن وكذلك كثير من العباد قد ينتفع بالذكر فى الابتداء مالا ينتفع بالقراءة إذ الذكر يعطيه إيمانا والقرآن يعطيه العلم وقد لا يفهمه ويكون إلى الإيمان أحوج منه لكونه فى الابتداء والقرآن مع الفهم لأهل الإيمان أفضل بالاتفاق.

فهذا وأمثاله يشبه تنوع شرائع الأنبياء فإنهم متفقون على أن الله أمر كلا منهم بالدين الجامع وأن نعبده بتلك الشرعة والمنهاج كما أن الأمة الاسلامية متفقة على أن الله أمر كل مسلم من شريعة القرآن بما هو مأمور به إما إيجابا وإما استحبابا وإن تنوعت الأفعال فى حق أصناف الأمة فلم يختلف اعتقادهم ولا معبودهم ولا أخطأ أحد منهم بل كلهم متفقون على ذلك يصدق بعضهم بعضا".

"مجموع الفتاوى"، (19/ 121)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير