الحي وفى تعذيب الميت ببكاء أهله وغير ذلك.
وقد آل الشر بين السلف الى الاقتتال مع اتفاق أهل السنة على أن الطائفتين جميعا مؤمنتان وأن الاقتتال لا يمنع العدالة الثابتة لهم لأن المقاتل وإن كان باغيا فهو متأول والتأويل يمنع الفسوق.
وكنت أبين لهم أنما نقل لهم عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضا حق لكن يجب التفريق بين الاطلاق والتعيين وهذه أول مسألة تنازعت فيها الأمة من مسائل الأصول الكبار وهى مسألة الوعيد فإن نصوص القرآن فى الوعيد مطلقة كقوله: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) الآية، وكذلك سائر ما ورد من فعل كذا فله كذا فإن هذه مطلقة عامة.
وهى بمنزلة قول من قال من السلف من قال كذا فهو كذا ثم الشخص المعين يتخلف حكم الوعيد فيه بتوبة أو حسنات ماحية أو مصائب مكفرة أو شفاعة مقبولة والتكفير هو من الوعيد فإنه وإن كان القول تكذيبا لما قاله الرسول لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص أو سمعها ولم تثبت عنده أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئا.
وكنت دائما أذكر الحديث الذى فى الصحيحين فى الرجل الذى قال: إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني فى اليم فوالله لإن قدر الله على ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا من العالمين، ففعلوا به ذلك فقال الله له: ما حملك على ما فعلت قال خشيتك فغفر له.
فهذا رجل شك فى قدرة الله وفى إعادته إذا ذري بل اعتقد أنه لا يعاد وهذا كفر باتفاق المسلمين لكن كان جاهلا لا يعلم ذلك وكان مؤمنا يخاف الله أن يعاقبه فغفر له بذلك.
والمتأول من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول أولى بالمغفرة من مثل هذا"
بتصرف يسير من "مجموع الفتاوى"، (3/ 229_231)
وعجبا لمن زعم بأن خطاب أبي العباس رحمه الله: خطاب تكفيري إقصائي، يهدر قول المخالف، ويحكم عليه بالردة والمروق، ويستحل دمه وماله وعرضه، ومرة أخرى: رمتني بدائها وانسلت!!!!!.
وأما الجهل الثاني فهو: جهل المفرط المعرض عن طلب الحق مع قدرته على ذلك، فهذا لا يعذر لأنه مفرط، وهذا حال كثير من أرباب المعاصي في العصر الحاضر، إذ عندهم من الكفاءة العقلية والبدنية ما يؤهلهم لطلب الحق وإدراكه إدراكا بينا تزول به الشبهة وتقوم الحجة، ولكنهم معرضون، ولسان حالهم: الجهل خير من العلم، لأن في العلم إقامة للحجة التي تحول بيننا وبين شهواتنا، فلام نسعى لإقامتها وفيها من التضييق ما فيها؟!!!!.وإلى هذا النوع من "الجهل"، أو "التجاهل"، إن شئت الدقة يشير ابن القيم، رحمه الله، بقوله:
"إن العذاب يستحق بسببين:
أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم إرادتها والعمل بها وبموجبها.
والثاني: العناد لها بعد قيامها، وترك إرادة موجبها، فـ:
الأول: كفر إعراض، والثاني: كفر عناد.
وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة، وعدم التمكن من معرفتها، فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل".
"طريق الهجرتين"، ص611.
ويقول في موضع تال:
"وقيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان وفي بقعة وناحية دون أخرى كما أنها تقوم على شخص دون آخر إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له فهذا بمنزلة الأصم الذي يلا يسمع شيئا ولا يتمكن من الفهم وهو أحد الأربعة الذين يدلون على الله بالحجة يوم القيامة كما في حديث الأسود وأبي هريرة وغيرهما".
بتصرف يسير من "طريق الهجرتين"، ص611، 612.
وتجدر الإشارة في ختام هذه الثنائية إلى أمرين:
الأمر الأول:
ضابط معرفة الأصل الذي ينكر على المخالف فيه من الفرع الذي لا ينكر عليه فيه:
¥