أو: مثبت له قدرة غير مؤثرة، اصطلح على تسميتها بـ: "الكسب"، بمفهومه الاصطلاحي المتأخر، لا المفهوم القرآني في مثل قوله تعالى: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، إذ الكسب هنا هو العمل الذي يعمله العبد بإرادة وقدرة حقيقيتين لا تستقلان عن قدرة وإرادة الله، عز وجل، إذ هو خالقهما، فكيف يخرجان عن أمره الكوني؟!!!.
وأما أهل السنة فإنهم يثبتون للعبد إرادة وقدرة، على التفصيل السابق، ويقولون بأن: الله، عز وجل، خالق أفعال العباد، لا فاعلها، وأن العباد هم فاعلوها، فـ: الله خالق والعبد فاعل، فجمعوا بين الشقين اللذين ضل فيهما من ضل في مسألة القدر، فمن قائل: العبد خالق مستقل، وهم نفاة القدر، ومن قائل: الله فاعل والعبد مجبور لا إرادة له، وهم الجبرية غلاة الإثبات في مسألة القدر، والحق وسط بين طرفين!!.
وكان هذا الخلط بين الأمرين: الشرعي والكوني، واعتقاد أن امتثال الكوني منهما هو عين التحقيق في مسألة القدر، سببا لاستحلال كثير من غلاة الجبرية للفواحش، من جهة:
أن موافقة الأمر الكوني هو عين التحقيق بزعمهم كما تقدم.
ومن جهة: أنهم وصلوا إلى منازل علمية انكشف لهم فيها من الحقيقة الباطنة ما خفي على من التزم الشريعة الظاهرة!!!!، فلا تكليف بأمر أو نهي على من بلغ هذه الرتبة، وليت شعري؟!!!، هل كان القوم أفضل من القرن الأول: محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه، رضوان الله عليهم، وهم أعلم الناس بالله، وأعلم الناس بمراد الله منهم، فكيف غاب عنهم ما ظهر لأولئك المحققين "المارقين" من مراتب وكشوفات جعلتهم فوق مرتبة التكليف؟!!، وما علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة، يوما، أو أفطر في نهار رمضان، بدعوى أنه قد ترقى في معارج الكمالات، فخرج عن سلطان الأمر والنهي، وما علمنا أحدا من أصحابه، أو تابعيهم، أو تابعي تابعيهم، من القرون المفضلة وسعه ما وسع القوم من مروق وانحلال، ولو كان ما عند القوم، على وضوح فساده لكل ذي لب، لو كان خيرا لسبقهم الأولون إليه، فهم أولى بكل فضل وكمال، وما حدث بعدهم في الدين من: كلام، ورأي، وذوق، وكشف، .................. إلخ، فهو باطل قطعا، وإن كان صاحبه مجتهدا أو متألها طلب الحق فأخطأ الطريق، فيعتذر عن شخصه، ولا يقر على بدعته.
وهذه قاعدة أساسية في الرد على كل أهل الأهواء: إذ كل ما حدث في الدين بعد تمامه، من: رأي وكلام وذوق وكشف ......... إلخ، فهو باطل بلا جدال.
فالقوم جعلوا العبادة وسيلة لا غاية، والله، عز وجل، يقول في كتابه: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، ولم يقل: إلا ليتخذوا العبادة معراجا إلى تهذيب النفس وتصفيتها لتشرق عليها أنوار الحكمة فيسقط عنها التكليف، وتصل إلى ما لم يصل إليه الأنبياء والمرسلون من كشف لبواطن الشريعة، خلاف من جمد على ظاهرها، فلم يفقه إلا: الأمر والنهي!!!!.
ومنهم من خاض في الأمر من جهة أخرى أشد خبثا:
إذ لم ير في الخلق إلا فعل الله، عز وجل، فصارت كل أفعال العباد عنده، هي أفعال الرب، جل وعلا، ومثل هذا الصنف الخبيث، صاحب "الفصوص" إذ يقول:
"فالإله المطلق لا يسعه شيء لأنه عين الأشياء وعين نفسه، والشيء لا يقال فيه يسع نفسه ولا يسعها فافهم"!!!!!.
وقوله:
العبد رب والرب عبد ******* يا ليت شعري من المكلف
إن قلت عبد فذاك رب ******* أو قلت رب أنى يكلف
وقوله:
وكل كلام في الوجود كلامه ******* سواء علينا نثره ونظامه
فكلام الله، عز وجل، هو كل كلام في الوجود، وإن فحش، إذ الكلام فعل، وفعل العبد هو عين فعل الرب، كما يزعم!!!!.
وابن سبعين الذي يقول: "من سمى نفسه الله، قال لك: إن كل شيء وجميع من تنادي أنا".
وابن الفارض الذي يقول مخاطبا إلهه:
كلانا مصل واحد ساجد إلى ******* حقيقته بالجمع في كل مسجد.
فالعبد هو الرب، والرب هو العبد، لاتحاد فعلهما، بزعمه، فلا ينكر على عابد واثن، أو داعر، أو مدمن خمر، ............. إلخ، لأن كل أفعالهم، هي، عند التحقيق، أفعال الله عز وجل!!!!.
¥