تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأضاف القوم إلى ذلك قولهم باتحاد ذات الرب، جل وعلا، بذوات مخلوقاته، وإن خبثت، فوقعوا في "اتحاد الذوات"، كما وقعوا في "اتحاد الأفعال"، إذ تلقف محققوهم: "الوجود المطلق" من فلسفة اليونان، فقالوا بأن الله، عز وجل، "وجود مطلق"، أي: مطلق عن أي صفة، وهذا عين التعطيل!!!!، فلما جردوا الرب، جل وعلا، من كمالاته، وجعلوه: عدما لا يتصور إلا في الأذهان، إذ الذات المجردة عن أي صفة، لا وجود لها إلا في الأذهان، لما فعلوا ما فعلوا: سهل عليهم القول باتحاده بمخلوقاته، إذ اتحاد العدم بالموجودات أمر قد يقبله العقل، لأنه، عند التحقيق، لا اتحاد فيه، وإنما هو موجود واحد، إذ العدم ليس بشيء في الخارج، خلاف ما لو وصف هذا العدم وقيد، فإن قبول العقل لاتحاده بذات أخرى لها صفات مباينة له أمر تأباه العقول السليمة، فإذا كان هذا الاتحاد غير متصور بين ذاتين مخلوقتين، لكل منهما صفات مخلوقة مباينة لصفة الأخرى، فكيف يتصور ذلك بين ذات الله، عز وجل، الموصوفة بكل كمال مطلق، وذات المخلوق الموصوفة بالنقص والفناء؟!!!.

وقد أفحمهم ابن تيمية، رحمه الله، لما ناظرهم، كما حكى في "الصفدية" عن واحد منهم، رجع إلى الحق، فقال:

"ثم بينت له، أي: ذلك الفاضل الذي رجع عن قولهم وأخذ يصنف في الرد عليهم، أن المطلق لا يكون إلا في الأذهان لا في الأعيان .................... وذهب إلى شيخ كبير منهم فقال له: بلغني أنك جرى بينك وبين فلان كلام، قال: نعم قال: أي شيء قال لك، قال: فقال لي: آخر أمركم ينتهي إلى الوجود المطلق، قال: جيد قال بأي شيء يرد ذلك، قال: المطلق إنما هو في الأذهان لا في الأعيان، فقال: أخرب بيوتنا وقلع أصولنا"!!!!

بتصرف من "الصفدية"، (1/ 303).

فالوجود المطلق المجرد عن أي صفات، "أمر خيالي"، لا وجود له إلا في الأذهان، لا في الأعيان، والدليل السمعي قد دل على أن لله، عز وجل، الأسماء الحسنى والصفات العلى، فهو، عز وجل، بائن من خلقه، بما اتصف به من نعوت الكمال، فكيف يقول عاقل بأنه عدم لا يتصور إلا في الأذهان، ومع ذلك يخالف المعقول والمحسوس، ويقول بأنه، مع كونه عدما لا وجود له، متحد مع بقية الموجودات؟!!!!.

وقد تلقف هذه الدعوة الخبيثة بعض العلمانيين في عصرنا الحاضر ليروج لما اصطلح على تسميته بـ: "وحدة الأديان"، فكل يعبد الله على طريقته، وكل الطرق موصلة لـ: "روما"!!!!!، فيستوي المسلم الموحد، والنصراني المثلث، واليهودي المشبه، والهندوسي عابد البقر، والبوذي عابد الوثن ................. إلخ، إذ صلواتهم هي، عند التحقيق، أفعال خالقهم، فعلام الإنكار، وكل من عند الله!!!!.

وكان من نتاج غلوهم في إثبات القدر، وتعظيم جانب القدر على جانب الشرع:

أن قالوا بـ: "الفناء"، وهو لفظ مجمل تولى أبو العباس، رحمه الله، بيانه، إذ يقول:

"فمن نظر إلى القدر فقط وعظم الفناء في توحيد الربوبية ووقف عند الحقيقة الكونية: لم يميز بين العلم والجهل والصدق والكذب والبر والفجور والعدل والظلم والطاعة والمعصية والهدى والضلال والرشاد والغي وأولياء الله وأعدائه وأهل الجنة وأهل النار وهؤلاء مع أنهم مخالفون بالضرورة لكتب الله ودينه وشرائعه فهم مخالفون أيضا لضرورة الحس والذوق وضرورة العقل والقياس فإن أحدهم لا بد أن يلتذ بشيء ويتألم بشيء فيميز بين ما يأكل ويشرب وما لا يأكل ولا يشرب وبين ما يؤذيه من الحر والبرد وما ليس كذلك وهذا التمييز بين ما ينفعه ويضره هو الحقيقة الشرعية الدينية".

فخلط القوم، كما تقدم، في الأمر الكوني والأمر الشرعي، فغلوا في الأول، وجفوا في الثاني، فالكفر والفسق والمعاصي ............. إلخ، معظمة عندهم لأن الله خلقها بمشيئته، مع أن الله، عز وجل، لا يرضاها، (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)، فليس كل ما خلقه الله، عز وجل، يرضاه، وإنما قد يكرهه، ومع ذلك قدر وجوده كونا، لمصلحة تفوق مفسدة إيجاده، كما في خلق إبليس، فهو أخبث الذوات، ومع ذلك ظهر بخلقه شرف جبرائيل، عليه السلام، فالأول: مادة شر وخبث محض، والثاني: مادة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير