تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الشاهد أنه بعد تقرير هذا الفيصل بين الطريقتين، يتضح لنا من حال أبي إسماعيل الهروي، رحمه الله، أنه برئ من الاتحاد، وإن أوهمت بعض عباراته نوع اتحاد نتيجة الغلو الذي حصل له كما تقدم، لأنه كان من المثبتين لصفات الله، عز وجل، على الوجه اللائق بجلاله، بل من المتشددين في هذا الباب، وإن وقع في نوع غلو، أيضا، في هذا الباب، فكان، رحمه الله، شديد الإنكار على المعطلة والمؤولة، ومن هذا حاله، يستحيل أن يكون اتحاديا، خبيثا، فالرجل من أئمة الصوفية وشيوخ الطريقة المستقيمين في غالب أحوالهم.

وقد تكلم عنه ابن تيمية، رحمه الله، في أكثر من موضع:

منها قوله:

"وهذا الذي ذمه الجنيد رحمه الله وأمثاله من الشيوخ العارفين، "من القول بالاتحاد"، وقع فيه خلق كثير حتى من أهل العلم بالقرآن وتفسيره والحديث والآثار ومن المعظمين لله ورسوله باطنا وظاهرا المحبين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذابين عنها وقعوا في هذا غلطا لا تعمدا وهم يحسبون أن هذا نهاية التوحيد كما ذكر ذلك صاحب "منازل السائرين" مع علمه وسنته ومعرفته ودينه وقد ذكر في كتابه "منازل السائرين" أشياء حسنة نافعة وأشياء باطلة ولكن هو فيه ينتهي إلى الفناء في توحيد الربوبية ثم إلى التوحيد الذي هو حقيقة الإتحاد".

وقوله:

"وشيخ الإسلام وإن كان رحمه الله من أشد الناس مباينة للجهمية في الصفات وقد صنف كتابه "الفاروق في الفرق بين المثبتة والمعطلة" وصنف كتاب "تكفير الجهمية" وصنف كتاب "ذم الكلام وأهله" وزاد في هذا الباب حتى صار يوصف بالغلو في الإثبات للصفات لكنه في القدر على رأي الجهمية نفاة الحكم والأسباب"

ويدافع عنه في موضع ثالث فيقول:

"وأما أهل الاتحاد العام فيقولون ما في الوجود إلا الوجود القديم وهذا قول الجهمية وأبو أسماعيل لم يرد هذا فإنه قد صرح في غير موضع من كتبه بتكفير هؤلاء الجهمية الحلولية الذين يقولون إن الله بذاته في كل مكان"، (يعني: التكفير المطلق لا التكفير لشخص بعينه، فهذا له مقام آخر).

بتصرف من "منهاج السنة"، (5/ 342، 358، 383).

وللرجل ترجمة ضافية في "سير أعلام النبلاء" تكشف عن سيرة هذا الإمام الكبير، بدأها الذهبي، رحمه الله، بقوله: "شيخ الاسلام، الإمام القدوة، الحافظ الكبير".

ومنها قول الذهبي: "ولقد بالغ أبو إسماعيل في "ذم الكلام" فأجاد، ولكنه له نفس عجيب لا يشبه نفس أئمة السلف في كتابه "منازل السائرين"، ففيه أشياء مطربة، وفيه أشياء مشكلة، من تأمله لاح له ما أشرت إليه، والسنة المحمدية صلفة، ولا ينهض الذوق والوجد إلا على تأسيس الكتاب والسنة".

ومنها أيضا: "وقد كان هذا الرجل سيفا مسلولا على المتكلمين، له صولة وهيبة واستيلاء على النفوس ببلده، يعظمونه، ويتغالون فيه، ويبذلون أرواحهم فيما يأمر به.

وكان عندهم أطوع وأرفع من السلطان بكثير، وكان طودا راسيا في السنة لا يتزلزل ولا يلين، لولا ما كدر كتابه "الفاروق في الصفات" بذكر أحاديث باطلة يجب بيانها وهتكها، والله يغفر له بحسن قصده".

ومنها: "وقد انتفع به خلق، وجهل آخرون، فإن طائفة من صوفية الفلسفة والاتحاد يخضعون لكلامه في "منازل السائرين"، وينتحلونه، ويزعمون أنه موافقهم.

كلا، بل هو رجل أثري، لهج بإثبات نصوص الصفات، منافر للكلام وأهله جدا، وفي "منازله" إشارات إلى المحو والفناء، وإنما مراده بذلك الفناء هو الغيبة عن شهود السوى، ولم يرد محو السوى في الخارج، ويا ليته ما صنف ذلك، فما أحلى تصوف الصحابة والتابعين! ما خاضوا في هذه الخطرات والوساوس، بل عبدوا الله، وذلوا له وتوكلوا عليه، وهم من خشيته مشفقون، ولأعدائه مجاهدون، وفي الطاعة مسارعون، وعن اللغو معرضون، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم". اهـ، بتصرف من ترجمة شيخ الإسلام أبي إسماعيل عبدالله بن محمد بن علي الأنصاري من "سير أعلام النبلاء"، (18/ 503_518).

وإن لم يترجم لأمثال ذلك العلم فلمن يترجم؟!!!.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير