تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد بسط ابن القيم، رحمه الله، كلامه في "منازل السائرين" في "مدارج السالكين"، معتذرا عن كثير من المواضع التي زل فيها، وقال قولته الشهيرة: "شيخ الإسلام حبيب إلينا والحق أحب إلينا منه وكل من عدا المعصوم فمأخوذ من قوله ومتروك ونحن نحمل كلامه على أحسن محامله ثم نبين ما فيه".

وقال في موضع آخر: "ولا توجب هذه الزلة من شيخ الإسلام إهدار محاسنه وإساءة الظن به فمحله من العلم والإمامة والمعرفة والتقدم في طريق السلوك المحل الذي لا يجهل وكل أحد فمأخوذ من قوله ومتروك إلا المعصوم صلوات الله وسلامه عليه والكامل من عد خطؤه ولا سيما في مثل هذا المجال الضنك والمعترك الصعب الذي زلت فيه أقدام وضلت فيه أفهام وافترقت بالسالكين فيه الطرقات وأشرفوا إلا أقلهم على أودية الهلكات". اهـ

والله يغفر له ويرحمه ويتجاوز عنه وعنا.

وبمثل ما اعتذر به عن أبي إسماعيل، رحمه الله، يعتذر عن أمثال "الشبلي"، رحمه الله، وعنه يقول الذهبي، رحمه الله، في "سيره": "لكنه كان يحصل له جفاف دماغ وسكر، فيقول أشياء يعتذر عنه، فيها ولا تكون قدوة". اهـ

بتصرف يسير من "سير أعلام النبلاء"، (15/ 367).

وهذا ملمح أصيل في منهج ابن تيمية، رحمه الله، في "الموازنة" و "الإنصاف"، فالمتصوفة، اليوم، قد ورث معظمهم، بغض ابن تيمية، تقليدا لا تحقيقا، ولو نظروا في كلامه عن الصوفية، لعلموا إنصاف الرجل، فلم يسو بين شيوخ الطريقة المتقدمين، وعلى رأسهم: الجنيد، رحمه الله، ومن تبعه من المتأخرين، كأبي إسماعيل الهروي، رحمه الله، والشيخ عبد القادر الجيلاني، رحمه الله، لم يسو بين هذا الفريق الذي غلب على حالهم سلامة المعتقد وتعظيم الأمر والنهي مع نوع خرج عن الهدي النبوي في مسائل السلوك والأخلاق والزهد، وبين فريق من المتأخرين يقف على رأسه ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين والعفيف التلمساني والقونوي، خلطوا التصوف بالفلسفة، فقل دينهم وفسد معتقدهم واستخفوا بالأمر والنهي، وهذا ما ظهر بعد ذلك في سير أتباعهم، ممن انتهج طريقتهم الفاسدة.

وكان ابن تيمية، حريصا، على الاستشهاد بأقوال الشيوخ الأفاضل، ومن سار على طريقتهم من المتأخرين، بل وصنف "الاستقامة" في نقد أقوال أبي القاسم القشيري، رحمه الله، في "الرسالة القشيرية"، ليبطل دعوى أن القوم كانوا على مذهب المتكلمين في أصول الدين، وليثبت أنهم كانوا على منهج السلف في الأصول، وأطلق عليهم في بعض المواضع من كتبه لقب: "صوفية أهل الحديث"، فقال:

"ففقهاء الحديث أخبر بالرسول من فقهاء غيرهم، وصوفيتهم أتبع للرسول من صوفية غيرهم، وأمراؤهم أحق بالسياسة النبوية من غيرهم، وعامتهم أحق بموالاة الرسول من غيرهم".

وكان منصفا في نقده للزائغين من متأخري الصوفية، فلم يسو بينهم، فقال:

"بل إن رؤوس المذهب ليسوا سواء، فابن عربي أقربهم إلى الإسلام، والصدر الرومي كان متفلسفا فهو أبعد عن الإسلام، وأما الفاجر التلمساني فهو أخبث القوم وأعمقهم في الكفر"."مجموع الفتاوى"، (2/ 470_472).

ولم يحكم على ابن عربي، حكما جازما، فالله، عز وجل، أعلم بخاتمته، فقال:

"والله تعالى أعلم بما مات الرجل عليه، والله يغفر لجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، والأحياء منهم والأموات"."مجموع الفتاوى"، (2/ 469).

وإن لم يمنعه ذلك من تفنيد أقواله، والتحذير منها، بل ونعتها ونعت من انتحلها بالكفر والزندقة والمروق، وهذا أمر لا يشك فيه عاقل، على تفصيل، فليس التابع كالمتبوع في هذه الطريق الفاسدة، حتى تقام عليه الحجة الرسالية، وهذا ملمح آخر من ملامح إنصاف ابن تيمية لخصومه.

وموقف ابن تيمية من التصوف والصوفية مادة ثرية تستحق إفرادها بالبحث.

ولم يبق لنا إلا كلام القوم، وهو موغل في الزندقة والانحلال، وحسبك أقوال ابن عربي الغريبة: من تلذذ أهل النار انتهاء بها، وإيمان فرعون!!!!! ........... إلخ، والله أعلم بخاتمتهم، فقد قبل عن كثيرين بأنهم رجعوا عن أقوالهم الفاسدة، فقيل مثل ذلك عن:

ابن سينا، كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن كثير، رحمه الله، بقوله: "ويقال إنه تاب عند الموت فالله أعلم"، "البداية والنهاية"، (12/ 54).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير