تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فهذا الشح الذي هو شدة حرص النفس يوجب البخل بمنع ما هو عليه والظلم بأخذ مال الغير ويوجب قطيعة الرحم ويوجب الحسد وهو كراهة ما اختص به الغير وتمنى زواله".

الاستقامة، (2/ 242_245).

وأصل كل قطيعة رحم في زماننا، هو هذا الشح الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما طمحت النفوس للدنيا وآثرت العاجل على الآجل، صار ميدان التنافس بينها: حطام الدنيا، فتقاتلت عليه تقاتل الكلاب على الجيفة القذرة، والقتال مظنة البغض والكره والحقد والحسد والأثرة .......... إلخ، من صفات النفس الذميمة.

وإنما تهذب هذه النفس بالوحي، فهو الذي يكبح جماح شهواتها، ويردعها عن الظلم والعدوان، والتنافس إنما يكون محمودا إذا كان في أمور الآخرة، مصداق قوله تعالى: (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ).

فمن نظر إلى من هو أعلى منه في أمور الدين، ومن هو أدنى منه في أمور الدنيا: برد فؤاده، وسكنت نفسه، وعلت همته، فعمر أوقاته بصنوف الطاعات، وتجافت نفسه عن دار الغرور، وتاقت إلى دار السرور، جنة المأوى، مستقر أرواح الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.

وعقد ابن تيمية، رحمه الله، بحثا فريدا في شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وشجاعة صاحبيه: أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، أشار فيه إلى موقف النبي صل الله عليه وسلم وموقف صاحبه: أبي بكر، رضي الله عنه، يوم بدر لما قام يدعو الله، عز وجل، مستغيثا، فجعل أبو بكر يقول له: (هكذا مناشدتك ربك إنه سينجز لك ما وعدك)، وهذا يدل على كمال يقين الصديق وثقته بوعد الله وثباته وشجاعته شجاعة إيمانه إيمانية زائدة على الشجاعة الطبيعية.

"منهاج السنة(8/ 79).

وبين أن حال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر كان أكمل من حال أبي بكر، رضي الله عنه، فقال: (وكان حال رسول الله أكمل من حاله، أي: الصديق رضي الله عنه، ومقامة أعلى من مقامه ولم يكن الأمر كما ظنه بعض الجهال أن حال أبي بكر أكمل نعوذ بالله من ذلك ولا نقص في استغاثة النبي صلى الله عليه و سلم ربه في هذا المقام كما توهمه بعض الناس وتكلم ابن عقيل وغيره في هذا الموضع بخطل من القول مردود على من قاله بل كان رسول الله صلى الله عليه جامعا كاملا له من كل مقام ذروة سنامة ووسيلته فيعلم: أن الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابا قدح في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع، ويعلم أن عليه أن يجاهد المشركين ويقيم الدين بكل ما يقدر عليه من جهاده بنفسه وماله وتحريضه للمؤمنين ويعلم أن الاستنصار بالله والاستغاثة به والدعاء له فيه أعظم الجهاد وأعظم الأسباب في تحصيل المأمور ودفع المحذور .................................. ومقام أبي بكر دون هذا وهو معاونه الرسول والذب عنه وإخباره بأنا واثقون بنصر الله تعالى والنظر إلى جهة العدو وهل قاتلوا المسلمين أم لا والنظر إلى صفوف المسلمين لئلا تختل وتبليغ المسلمين ما يأمر به النبي صلى الله عليه و سلم في هذه الحال).

"منهاج السنة"، (8/ 80_82).

وتطرق ابن تيمية، رحمه الله، إلى بحث آخر فريد عن المفاضلة بين شجاعة أبي بكر، رضي الله عنه، وشجاعة عمر وعلي، رضي الله عنهما، وهو أمر قد يخفى على كثير منا، فشجاعة الأخيرين، قد سارت بذكرها الركبان، وصارت مثلا يضرب، ومتواترا لا ينكر، حتى وجد في بعض بلاد أهل السنة من يفضل عمر على أبي بكر، بلسان حاله لا مقاله، لانبهاره بمناقب الفاروق، رضي الله عنه، وفرط شجاعته وما حصل للأمة في عهده من عز وتمكين، بينما شجاعة الصديق، رضي الله عنه، قد تخفى، لاسيما في مثل هذا العصر الذي صارت فيه المقاييس: مادية بحتة، فلو قسنا الشجاعة بمقاييس عصرنا: قوة البدن، والقدرة على القتال، ومصارعة الخصوم، لتفوق الأخيران بلا شك، ولو قسناها بالمقاييس الشرعية الربانية لتفوق الصديق، رضي الله عنه، بلا منازع، فهو أشجع هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ولا يعني ذلك القدح في عمر وعلي، رضي الله عنهما، أو الانتقاص من قدرهما الرفيع، وإنما هي منازل أنزلها الله، عز وجل، عباده، فتفاضل القوم في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير