تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الكمالات، وهم أهل لكل كمال، وإثبات الكمال للأكمل لا يلزم منه نفيه عن الكامل.

فالكلام الآن عن رجال:

أحدهم: صديق الأمة الذي عاتب الله، عز وجل، الخلق جميعا في نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ)، إلا هو، كما أثر ذلك عن سفيان بن عيينة، رحمه الله، فقد صحب النبي صلى الله عليه وسلم في سفر الهجرة، وقريش بأكملها قد عادته وطلبت قتله، فكيف يصح في الأذهان بعد ذلك أن يقال بأنه كان مبغضا للنبي صلى الله عليه وسلم؟؟؟، يقول ابن تيمية رحمه الله: "وأيضا فمعلوم أن أضعف الناس عقلا لا يخفى عليه حال من يصحبه في مثل هذا السفر الذي يعاديه فيه الملأ الذين هم بين أظهرهم ويطلبون قتله وأولياؤه هناك لا يستطيعون نصره فكيف يصحب واحدا ممن يظهر له موالاته دون غيره وقد أظهر له هذا حزنه وهو مع ذلك عدو له في الباطن والمصحوب يعتقد أنه وليه وهذا لا يفعله إلا أحمق الناس وأجهلهم.

فقبح الله من نسب رسوله الذي هو أكمل الخلق عقلا وعلما وخبرة إلى مثل هذه الجهالة والغباوة". اهـ

"منهاج السنة"، (8/ 430).

وصدق رحمه الله.

وثانيهم: الفاروق، عمر، رضي الله عنه، الذي أعز الله، عز وجل، به الدين، وأخاف به المردة والشياطين، فما لقيه الشيطان قط سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجه، كما عند البخاري، 3051، ومسلم 4410.

وثالثهم: أبو الحسن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، من افتدى الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه ليلة الهجرة، وتحققت فيه نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكسر الله، عز وجل، به شوكة الخوارج يوم النهروان، فكانت طائفته أدنى الطائفتين المؤمنتين إلى الحق.

فلا مجال للقدح في أحدهم، بأي حال من الأحوال، وقد ثبتت فضائلهم من طرق متواترة لا يجحدها إلا من أعمى الله بصيرته، ولكن الأمر، كما تقدم، تفاضل في الكمالات.

يقول أبو العباس رحمه الله:

"والمقصود هنا أن أبا بكر كان أشجع الناس ولم يكن بعد الرسول صلى الله عليه و سلم أشجع منه ولهذا لما مات النبي صلى الله عليه و سلم ونزلت بالمسلمين أعظم نازلة نزلت بهم حتى أوهنت العقول وطيشت الألباب واضطربوا اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة القعر، (بما فيهم كبار الصحابة كعمر رضي الله عنهم)، فهذا ينكر موته وهذا قد أقعد وهذا قد دهش فلا يعرف من يمر عليه ومن يسلم عليه وهؤلاء يضجون بالبكاء وقد وقعوا في نسخه القيامة وكأنها قيامة صغرى مأخوذة من القيامة الكبرى وأكثر البوادي قد ارتدوا عن الدين وذلت كماتة فقام الصديق رضي الله عنه بقلب ثابت وفؤاد شجاع فلم يجزع ولم ينكل قد جمع له بين الصبر واليقين فأخبرهم بموت النبي صلى الله عليه و سلم وأن الله اختار له ما عنده وقال لهم: "من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت"، (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل أنقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين)، فكأن الناس لم يسمعوا هذه الآية حتى تلاها الصديق فلا تجد أحدا إلا وهو يتلوها ثم خطبهم فثبتهم وشجعهم.

قال أنس: (خطبنا أبو بكر رضي الله عنه وكنا كالثعالب فما زال يشجعنا حتى صرنا كالأسود). وأخذ في تجهيز أسامة مع إشارتهم عليه، وأخذ في قتال المرتدين مع إشارتهم عليه بالتمهل والتربص وأخذ يقاتل حتى مانعي الزكاة فهو من الصحابة يعلمهم إذا جهلوا ويقويهم إذا ضعفوا ويحثهم إذا فتروا فقوى الله به علمهم ودينهم وقوتهم حتى كان عمر مع كمال قوته وشجاعته يقول له: يا خليفة رسول الله تألف الناس، فيقول: علام أتألفهم أعلى دين مفترى أم على شعر مفتعل؟!!، وهذا باب واسع يطول وصفه، (وروى الإسماعيلي عن عمر رضي الله عنه قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد من ارتد من العرب، وقالوا: نصلي ولا نزكي. فأتيت أبا بكر رضي الله عنه فقلت: يا خليفة رسول الله، تألف الناس، وارفق بهم، فإنهم بمنزلة الوحش. فقال: أخرت نصرتك وجئتني بخذلانك، جبارا في الجاهلية، خوارا في الإسلام؟ ماذا خشيت أن أتألفهم، بشعر مفتعل، أو بسحر مفترى؟ هيهات هيهات!!! مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير