تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وانقطع الوحي، والله لأجاهدنهم ما استمسك السيف في يدي، وإن منعوني عقالا. قال عمر: فوجدته في ذلك أمضى مني وأعزم مني، وأدب الناس على أمور هانت على كثير من مؤونتهم حين وليتهم).

فالشجاعة المطلوبة من الإمام لم تكن في أحد بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أكمل منها في أبي بكر ثم عمر وأما القتل فلا ريب أن غير علي من الصحابة قتل من الكفار أكثر مما قتل علي فإن كان من قتل أكثر يكون أشجع فكثير من الصحابة أشجع من علي فالبراء ابن مالك، أخو أنس، قتل مائة رجل مبارزة غير من شورك في دمه.

وأما خالد بن الوليد فلا يحصى عدد من قتله إلا الله وقد انكسر في يده في غزوة مؤته تسعة أسياف ولا ريب أنه قتل أضعاف ما قتله علي.

وكان لأبي بكر مع الشجاعة الطبيعية شجاعة دينية وهي قوة يقينية بالله عز و جل وثقة بأن الله ينصره والمؤمنين وهذه الشجاعة لا تحصل بكل من كان قوي القلب لكن هذه تزيد بزيادة الإيمان واليقين وتنقص بنقص ذلك فمتى تيقن أنه يغلب عدوه كان إقدامه بخلاف إقدام من لم يكن كذلك وهذا كان من أعظم أسباب شجاعة المسلمين وإقدامهم على عدوهم فإنهم كانوا أيقنوا بخبر الله ورسوله أنهم منصورون وأن الله يفتح لهم البلاد.

ومن شجاعة الصديق: ما في الصحيحين عن عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون برسول الله، قال: رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه فخنقه خنقا شديدا فجاء أبو بكر فدفعه عنه وقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم".

"منهاج السنة(8/ 82_85).

فلم يتقدم أحد للذب عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف العصيب إلا الصديق، رضي الله عنه، فناله من الأذى ما ناله، ومن عظم يقينه في الله هانت عليه حظوظ نفسه.

وصدق علي بن المديني، رحمه الله، حين قال: (أيد الله تعالى هذا الدين برجلين لا ثالث لهما: أبو بكر يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة).

وقال المزني رحمه الله: (أبو بكر يوم الردة، وعمر يوم السقيفة، وعثمان يوم الدار، وعلي يوم صفين، وأحمد بن حنبل يوم المحنة).

ولو كانت الشجاعة بكثرة القتل لفضل أمثال خالد والبراء، رضي الله عنهما، على: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم، ولا قائل بذلك.

ولو كان العلم بكثرة الرواية لفضل أمثال أبي هريرة، رضي الله عنه، على أمثال الخلفاء الأربعة، ولا قائل، أيضا، بذلك.

فثبت أن مدار الأمر ليس على شجاعة البدن وإنما هو على شجاعة القلب.

وينقل ابن تيمية عن أبي محمد بن حزم، رحمه الله، قوله في مقام المناظرة والإلزام:

"وجدناهم يحتجون بأن عليا كان أكثر الصحابة جهادا وطعنا في الكفار وضربا والجهاد أفضل الأعمال، قال: وهذا خطأ لأن الجهاد ينقسم أقساما ثلاثة:

أحدها: الدعاء إلى الله تعالى باللسان.

والثاني: الجهاد عند الحرب بالرأي والتدبير.

والثالث: الجهاد باليد في الطعن والضرب.

فوجدنا الجهاد باللسان لا يلحق فيه أحد بعد النبي صلى الله عليه و سلم أبا بكر ولا عمر: أما أبو بكر فإن أكابر الصحاب أسلموا على يديه فهذا أفضل عمل وليس لعلي من هذا كثير حظ، وأما عمر فإنه من يوم أسلم عز الإسلام وعبد الله علانية وهذا أعظم الجهاد وقد انفرد هذان الرجلان بهذين الجهادين اللذين لا نظير لهما ولا حظ لعلي في هذا.

وبقي القسم الثاني وهو الرأي والمشورة فوجدناه خالصا لأبي بكر ثم لعمر.

بقي القسم الثالث وهو الطعن والضرب والمبارزة فوجدناه أقل مراتب الجهاد ببرهان ضروري وهو أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لاشك عند كل مسلم في أنه المخصوص بكل فضيلة فوجدنا جهاده صلى الله عليه و سلم إنما كان في أكثر أعماله وأحواله بالقسمين الأولين من الدعاء إلى الله عز و جل والتدبير والإرادة وكان أقل عمله الطعن والضرب والمبارزة لا عن جبن بل كان أشجع أهل الأرض قاطبة نفسا ويدا وأتمهم نجدة ولكنه كان يؤثر الأفضل فالأفضل من الأعمال فيقدمه ويشتغل به، ووجدناه يوم بدر وغيره كان أبو بكر معه لا يفارقه إيثارا من النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك واستظهارا برأيه في الحرب وأنسا بمكانه ثم كان عمر ربما شورك في ذلك وقد انفرد بهذا المحل دون علي ودون سائر الصحابة إلا في الندرة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير