ثم نظرنا مع ذلك في هذا القسم من الجهاد الذي هو الطعن والضرب والمبارزة فوجدنا عليا لم ينفرد بالسيوف فيه بل قد شاركه فيه غيره شركة العيان كطلحة والزبير وسعد ومن قتل في صدر الإسلام كحمزة وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ومصعب بن عمير ومن الأنصار سعد بن معاذ وسماك بن خرشة، يعني أبا دجانة، وغيرهما ووجدنا أبا بكر وعمر قد شاركاه في ذلك بحظ حسن وإن لم يلحقا بحظوظ هؤلاء وإنما ذلك لشغلهما بالأفضل من ملازمة رسول الله صلى الله عليه و سلم ومؤازرته في حين الحرب وقد بعثهما على البعوث أكثر مما بعث عليا وقد بعث أبا بكر إلى بني فزارة وغيرهم وبعث عمر إلى بني فلان وما نعلم لعلي بعثا إلا إلى بعض حصون خيبر ففتحه فحصل أرفع أنواع الجهاد لأبي بكر وعمر وقد شاركا عليا في أقل أنواع الجهاد مع جماعة غيرهم".
"منهاج السنة"، (8/ 87_89).
والأمر، كما تقدم، من باب إلزام الخصم لا من باب القدح في المفضول بذكر مناقب الفاضل، فلا يقدح في عمر، رضي الله عنه، تقدم الصديق عليه، ولا يقدح في علي، رضي الله عنه، تقدم الشيخين عليه.
والكرم لازم الشجاعة، فمن قوي قلبه، سخت يده، فلم يخش الفقر أبدا، وفي مسلم من حديث أنس رضي الله عنه: ما سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاهُ، ولقد جاءه رجلٌ، فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وإن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يلبث إلا يسيرا حتى يكُون الإسلامُ أحب إليه من الدنيا وما عليها.
وهنا، أيضا، كان الصديق، رضي الله عنه، أجود الأمة بعد نبيها، صلى الله عليه وسلم، وعند الترمذي بسند حسن من حديث عمر رضي الله عنه: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالًا فَقُلْتُ الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ قُلْتُ مِثْلَهُ، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ قَالَ أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا.
وفي الصحيحين عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر وقال: إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عنده فبكى أبو بكر وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا فكان النبي صلى الله عليه و سلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
لا تبك يا أبا بكر إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر.
وفي الصحيحين عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه وذكر الحديث، إلى أن قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي مرتين.
وروى البخاري عن ابن عباس قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما من الناس أحدا أمن علي في ماله ونفسه من أبي بكر بن أبي قحافة ولو كنت متخذا خليلا فذكر تمامه.
وروى أحمد عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر فبكى وقال: وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله.
وروى الزهري عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ما مال رجل من المسلمين أنفع لي من مال أبي بكر ومنه أعتق بلالا وكان يقضي في مال أبي بكر كما يقضي الرجل في مال نفسه.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
¥