تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- أما ابن تيمية- رحمه الله – فقد لخص منهج أهل السنة والجماعة في هذه القضية بعبارات جامعة مانعة بقوله: (ولهذا أوصوا بالإمساك عما شجر بينهم، لأنا لا نسأل عن ذلك ... لكن إذا ظهر مبتدع يقدح فيهم بالباطل، فلا بد من الذب عنهم، وذكر ما يبطل حجته بعلم وعدل).

لعلك ترى أن القاتل والمقتول في حرب صفين والجمل في الجنة؟

وما انتفعاع أخي الدنيا بناظره ... إذا استوت عنده الأنوار والظلم

والسلام

ـ[مهاجر]ــــــــ[23 - 02 - 2007, 03:33 ص]ـ

ليس هو من يرى كشكول، وإنما علي، رضي الله عنه، هو الذي يرى ذلك، ولما رأى علي، رضي الله عنه، طلحة بن عبيد الله، رضي الله عنه، ملقى في بعض الأودية، كما يروي الشعبي، رحمه الله، نزل فمسح التراب عن وجهه ثم قال: "عزيز علي أبا محمد أن أراك مجندلا في الأودية وتحت نجوم السماء، إلى الله أشكو عجري وبجري"، وقال: "ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة"!!!، وذاك الظن بأبي الحسن، رضي الله عنه، الفقيه الأريب، فلم يقل: طلحة ممن قاتلني في الجمل، فلا أجتمع أنا وهو في الجنة!!!!!.

ولما دخل عليه عمران بن طلحة بعد الجمل رحب به وأدناه، وقال: "إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال فيهم: (ونزعنا ما في قلوبهم من غل إخوانا على سرر متقابلين)، وكان الحارث الأعور جالسا في ناحية المسجد فقال: "الله أعدل من أن نقتلهم ويكونوا إخواننا في الجنة، فأجابه علي رضي الله عنه، بقوله: (قم إلى أبعد أرض الله وأسحقها، فمن هو ذا إن لم أكن أنا وطلحة في الجنة؟)، وذكر محمد بن عبد الله أن عليا، رضي الله عنه، تناول دواة فحذف بها الأعور يريده بها فأخطأه، وقال له ابن الكواء: (الله أعدل من ذلك)، فقام إليه علي بدرة فضربه وقال له: (أنت، لا أم لك، وأصحابك تنكرون هذا؟!!!!) ".

ولو كان اجتماعهم في الجنة مستحيلا، لأنزلهم علي، رضي الله عنه، منزلة المرتدين فسبى نساءهم وذراريهم، وأجهز على جريحهم، وغنم أموالهم، ولكنه لم يفعل ذلك، لعلمه بإيمان القوم، ولذا خرج عليه من خرج من جيشه لأن عقله لم يتسع لإمكان الاختلاف، بل القتال، مع كون كلا المقتتلين من المؤمنين الأتقياء، ووقوع القتال بين طائفتين مؤمنتين، متصور يدل عليه قوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)، فأثبت لكليهما الإيمان، فلا يلزم أن يكون طرفا القتال دوما: مؤمن وكافر!!!، بل يتصور وقوعه بين طائفتين مؤمنتين.

وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام لكلا الطائفتين، كما في حديث الحسن السبط رضي الله عنه: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)، وذكر الإسلام منفردا عن الإيمان يشمل كلا المعنيين، كما أن ذكر الإيمان منفردا يشملهما، فالقوم مؤمنون مسلمون، ولا يتصور أن يسلم أمير المؤمنين الحسن بن علي، رضي الله عنه، مصير الأمة لرجال يعلم أنهم لن يجتمعوا معه ومع أبيه في الجنة!!!، وهو الذي كان في منعة من أتباعه فمعه جيش يملك به رقاب الناس ويسفك به دماء من خالفه، لو أراد، ولكنه آثر البشرى النبوية على الإمارة والسلطان.

وليت شعري!!!، أيمتنع علي، رضي الله عنه، عن تكفير الخوارج، مع أنهم كفروه، بل وقتله واحد منهم، ثم يأتي من يقول بأن من حاربه في "الجمل" و "صفين"، وهم خير من الخوارج بالإجماع، لن يجتمع معه في الجنة؟!!!

وليس يصح في الأذهان شيء ******* إذا احتاج النهار إلى دليل

والمسألة تحتاج لمزيد تفكر، لأن إهدار قدر العالم المجتهد لاجتهاد أخطأ فيه، تعصب مذموم، والقوم كانوا أهل اجتهاد ونظر، عاينوا ما لم نعاين، ولم يدع أحد لأي منهم عصمة، ولهم من الحسنات الماحيات والفضائل المحكمات ما يغفر لهم خطأ الاجتهاد، ولولاهم ما عرفت أنا ولا أنت يا كشكول، ولا أي موحد، دين محمد صلى الله عليه وسلم، فلم يصلنا هذا الدين إلا من طريقهم فكيف يصل الدين الحق عن طريق رجال لن يجتمعوا في الجنة لمجرد أنهم اختلفوا في مسألة، كائنة ما كانت، فما بالك إذا علم أن القوم اتفقوا وباتوا بخير ليلة يوم الجمل لولا عبد الله بن سبأ، عليه من الله ما يستحق، وأتباعه من مثيري الفتنة الذين حملوا على كلا الطائفتين، فدفعت كل واحدة منهما عن نفسها القتل، فوقعت الفتنة.

وأيام صفين، شهد تاريخ البشرية، نبلا وشجاعة في القتال، ونبلا في التعامل والاتصال عند التهادن والراحة، لم يشهده في أي قتال آخر، لقد علم القوم الدنيا كيف يكون قتال الشرفاء.

ولله در قاضي إفريقية عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الشعباني، لما ذكر أهل صفين فقال: "كانوا عربا يعرف بعضهم بعضا في الجاهلية، فالتقوا في الإسلام معهم على الحمية وسنة الإسلام، فتصابروا، واستحيوا من الفرار، وكانوا إذا تحاجزوا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء، وهؤلاء في عسكر هؤلاء، فيستخرجون قتلاهم فيدفنونهم".

ولله در الشعبي، رحمه الله، إذ يقول: "هم أهل الجنة، لقي بعضهم بعضا، فلم يفر أحد من أحد".

أفيفر القوم اليوم وهم الذين صمدوا بالأمس أمام جحافل فارس والروم، وكيف يفر من يعتقد أنه على الحق ولو كان متأولا؟!!!.

ولله در الراشد العمري: عمر بن عبد العزيز، رحمه الله، إذ يقول: "تلك فتنة قد طهر الله منها أيدينا، أفلا نطهر منها ألسنتنا؟!!! ".

وإلى اليوم لم يطهر البعض ألسنتهم من السب وقلوبهم من الغل، وأين هم من قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)؟!!.

والإنصاف عزيز، والتعصب أعمى، قاتله الله من داء يذهب بعقول الرجال فترى الحق باطلا والباطل حقا، وتنكر المعلوم بالضرورة وتصدق الموهوم، بل المكذوب بالضرورة.

والله أعلى وأعلم.

رزقني الله وإياك "كشكول" وإخواني الإنصاف.

والسلام.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير