تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"فصح أن علياً هو صاحب الحق والإمام المفترضة طاعته ومعاوية مخطئ مأجور مجتهد وقد يخفى الصواب على الصاحب العالم فيما هو أبين وأوضح من هذا الأمر من أحكام الدين فربما رجع إذا استبان له وربما لم يستبن له حتى يموت عليه وما توفيقنا إلا بالله عز وجل وهو المسئول العصمة والهداية لا إله إلا هو ".

ولم يأمر الله، عز وجل، بقتال الفئة الباغية ابتداء، وإلى ذلك أشار شيخ الإسلام، رحمه الله، بقوله:

"ولكن يقال ليس في مجرد كونهم بغاة ما يوجب الأمر بقتالهم فإن الله لم يأمر بقتال كل باغ بل ولا أمر بقتال البغاة ابتداء ولكن قال: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بعث إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفىء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون)، فلم يأمر بقتال البغاة ابتداء بل أمر إذا اقتلت طائفتان من المؤمنين أن يصلح بينهما وهذا يتناول ما إذا كانتا باغيتين أو أحداهما باغية ثم قال فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغى حتى تفىء إلى أمر الله".

منهاج السنة، (4/ 420).

ومعاوية، رضي الله عنه، لم يكن ممن يختار القتال ابتداء، ولكن عليا، رضي الله عنه، بصفته ولي الأمر الشرعي رأى أن من الواجب على أهل الشام بيعته، ولو أدى ذلك لنشوب القتال.

وقد ندم، علي، رضي الله عنه، عن أمور فعلها من القتال وغيره، وكان يقول ليالي صفين: "لله در مقام عبد الله بن عمر وسعد بن مالك، أي: سعد بن أبي وقاص، إن كان برا إن أجره لعظيم، وإن كان إثما إن خطره ليسير"،

وكان يقول: "يا حسن يا حسن ما ظن أبوك أن الأمر يبلغ إلى هذا، ود أبوك لو مات قبل هذا بعشرين سنة"، ولما رجع من صفين تغير كلامه، وكان يقول: "لا تكرهوا إمارة معاوية، فلو قد فقدتموه لرأيتم الرؤوس تتطاير عن كواهلها"، وقد روي هذا عن علي، رضي الله عنه، من وجهين أو ثلاثة، وتواترت الآثار بكراهته الأحوال في آخر الأمر، ورؤيته اختلاف الناس وتفرقهم، وكثرة الشر الذي أوجب أنه لو استقبل من أمره ما استدبر ما فعل ما فعل.

"منهاج السنة"، (6/ 209).

ويؤكد ذلك، كراهة الحسن، رضي الله عنه، فلو كانوا ظلمة كما تقول، لكان قتالهم مستحبا كقتال الخوارج، ولسارع الحسن، رضي الله عنه، في قتالهم، ولكنه على العكس، كان دائم النصح لأبيه بعدم القتال، ولما آل الأمر إليه، تنازل عنه، مختارا غير مكره، قويا غير مستضعف، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وقول من يقول بأنه تنازل "تقية"، قول في غاية التكلف والبرود، بل هو مدعاة للقدح في أمير المؤمنين الحسن السبط رضي الله عنه، إذ ما الذي يدعوه إلى التقية وهو الأقوى، ومعه التفويض الشرعي من الأمة بقيادتها، فهو، عند التحقيق، خامس الخلفاء الراشدين، وبانتهاء دولته انتهت دولة الخلافة الراشدة التي أشار إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: "الخلافة ثلاثون سنة ثم يكون بعد ذلك ملكا"، كما عند ابن أبي عاصم، رحمه الله، في "السنة"، والتقية لا تجوز إلا في حالات الاضطرار، وتكون مع الكفار لا المسلمين، وعلماء الأصول وإن جوزوا الأخذ بالرخصة لعموم الأمة، إلا أنهم استثنوا من ذلك العلماء وأصحاب السلطان الذين يضيع الحق بسكوتهم، فالحكم هنا أي في الرخصة: "بالجزء لا بالكل"، وقد رأينا في زمان تال، إمام أهل السنة أحمد، رحمه الله، يقف في وجه المأمون، غفر الله له، وحاشيته من غلاة المعتزلة الذين غرروا به، ولم يأخذ بالرخصة لأنه إمام متبع، زلته زلة عالم، أفيكون أحمد، رحمه الله، أشجع في الحق من الحسن السبط، رضي الله عنه؟!!!!، مع العلم بأن أحمد امتحن وحيدا في مسألة، وإن كانت لوازمها عظيمة، إلا أنها لا تقدح في أصل الدين، بدليل عدم تكفيره للمأمون مع ما فعله به، خلاف مسألة الإمامة فهي عند أقوام ركن من أركان الإيمان لا تتحقق النجاة إلا به، فما الذي يحمل الحسن، رضي الله عنه، على إضاعة ركن من أركان الدين، أو حتى تسليم الخلافة لظالم، مع قدرته على دفع الظلم، بل هو متعين عليه آنذاك بصفته أميرا للمؤمنين؟!!،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير