حكم مسألة عدة الحامل التي خفيت على علي رضي الله عنه؟!!!!.
ولأبي العباس، ابن تيمية، رحمه الله، رسالة بديعة في هذه المسألة، ذب فيها عن أئمة الإسلام، تدعى: "رفع الملام عن الأئمة الأعلام"، ذكر في أولها عشرة أعذار للعالم في إعراضه عن العمل بالحديث، أولها ما نحن بصدده من عدم بلوغ الحديث العالم.
*****
وأما قولك:
"كما فعل البعض من قبله"، إن كنت تقصد خالد بن الوليد، مبيد دولة فارس والروم، ففي هذا إجحاف كبير بأبي سليمان، رضي الله عنه، إذ أهدر هذا السيف الرباني بزلة، ولو تتبعنا زلات كل رجالات الإسلام، لما بقي لنا إلا الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه المعصوم الوحيد في الأمة، فكيف إذا كانت هذه الزلة عن اجتهاد، إن عنينا بها:
قتله لبني جذيمة، لما قالوا: صبأنا، لم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فلم يعاقبه النبي صلى الله عليه وسلم مع تبرؤه من فعله.
وكذا لم يعاقبه الصديق، رضي الله عنه، على قتله مالك بن نويرة، لذات السبب، بل ودى مالكا، أي: دفع ديته، فلم يضع دم مالك هدرا.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"ولهذا من أتى شيئا من المحرمات التي لم يعلم تحريمها لقرب عهده بالإسلام أو لكونه نشأ بمكان جهل لم يقم عليه الحد ولهذا لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم من أكل من أصحابه حتى يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود لأنهم أخطأوا في التأويل.
ولم يعاقب أسامة بن زيد لما قتل الرجل الذي قال لا إله إلا الله لأنه ظن جواز قتله لما اعتقد أنه قالها تعوذا.
وكذلك السرية التي قتلت الرجل الذي قال إنه مسلم وأخذت ماله لم يعاقبها لأنها كانت متأولة.
وكذلك خالد بن الوليد لما قتل بني جذيمة لما قالوا صبأنا لم يعاقبه لتأويله.
وكذلك الصديق لم يعاقب خالدا على قتل مالك بن نويرة لأنه كان متأولا.
وكذلك الصحابة لما قال هذا لهذا أنت منافق لم يعاقبه النبي صلى الله عليه و سلم لأنه كان متأولا".
"منهاج السنة"، (6/ 88، 89).
وإن كنت تعني زواجه من أم تميم بنت المنهال، امرأة مالك، فقد تزوجها بعد انقضاء عدتها، وما عيب عليه في هذا الأمر، أن العرب كانت تكره تزوج النساء في الحروب وتتعايره، ولو كان خالد قد قتل زوجها لينالها، لنالها سبيا لا زوجة مكرمة، وما الذي يمنعه من سبيها بل اغتصابها، إن شاء، كما يحدث الآن لحرائر العراق، وهو القائد الممكن صاحب السلطان؟!!!، بداية، وقد أنكر عمر، رضي الله عنه، ابتداء، وعنفه بقوله: "أرئاء!!!، قتلت امرء مسلما ثم نزوت على امرأته؟!، والله لأرجمنك بأحجارك"، فلم يكلمه خالد، رضي الله عنه، إذ ظن أن رأي أبي بكر فيه مثل رأي عمر، فلما دخل على الخليفة وعذره وتجاوز عما كان منه خرج خالد إلى المسجد، فقال لعمر: "هلم إلي"، فعرف عمر، رضي الله عنه، أن أبا بكر قد رضي عن خالد، فلم يكلمه حتى دخل بيته.
"تاريخ الطبري"، (3/ 280)، و "البداية والنهاية"، (3/ 870).
نقلا عن "تاريخ الخلفاء الراشدين"، (1/ 113)، للشيخ الدكتور طه عبد المقصود حفظه الله.
والأسلوب هنا هو نفس الأسلوب في حديث: "ويح عمار"، إذ يغفل الناظر كل الحسنات، وإن كانت عظيمة، ويهدم القاعدة المستقرة في النفوس بشبهة أو زلة لا تقوى على هدمها، فيرى في عين غيره القذاة ولا يرى في عينه الجذع، ولابن تيمية، رحمه الله، تحقيق لهذه المسألة في "منهاج السنة"، (5/ 514_520)، ختمه بقوله:
"وبالجملة فنحن لم نعلم أن القضية وقعت على وجه لا يسوغ فيها الاجتهاد والطعن بمثل ذلك من قول من يتكلم بلا علم، وهذا مما حرمه الله ورسوله".
"منهاج السنة"، (5/ 520).
ولا يخفى عليك، وأظنك عربي، أن القدح في خالد، رضي الله عنه، بالذات، لأنه مبيد دولة العجم الذين حملوا ثأرهم في صدورهم، وراحوا ينفثون أحقادهم على خالد وعمر وغيرهم ممن قوضوا إمبراطوريتهم.
وقد علقت كلامي بـ "إن"، فإن لم تكن تقصده، فلا عليك، ولك أن تعتبرها من باب الإضافة.
¥