تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما قولك بأن في كلامي بعض الصحة من جهة أنه لولا الفتنة لما عرفنا المحق من المبطل، فهو لفظ مجمل، فإن كنت تقصد أنه لولا ما حصل بينهم من قتال، لما عرفنا كيف يكون قتال البغاة في الإسلام، فهذا حق، وإن كنت تقصد أن أهل الجمل وصفين مذمومون، كذم الخوارج، فهذا باطل، لأنه قد بان مما سبق، وجه اجتهاد القوم، والعاقل، الذي أردت وصفه، ينظر بمنظار العدل والإنصاف، فلا يحمله الهوى على رد الحق وقبول الباطل لمجرد أنه يوافق هواه، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الملك التالي للخلافة الراشدة مباشرة بأنه "ملك ورحمة"، كما في حديث إبراهيم الحربي بإسناده عن مكحول عن أبي ثعلبة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: [أول دينكم نبوة ورحمة ثم ملك ورحمة ثم ملك وجبرية ثم ملك عضوض يستحل فيه الحر والحرير]، والملك التالي للخلافة الراشدة هو ملك معاوية، رضي الله عنه، وهو الذي تلا الصلح الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عهده استقرت دولة الإسلام، وإن حصل النقص الديني عن دولة الخلاقة الراشدة، ولكن الدين لم يضع، كما يدعي البعض، بل بقي محفوظا، في الصدور، وفي السطور، في مرحلة تالية، ظاهرة أعلامه، مرفوعة راياته، حتى اتسعت رقعة دولة الإسلام من الصين شرقا إلى الأطلنطي، غربا، وفتحت الأندلس في آخر عهد الوليد بن عبد الملك، رحمه الله، ولا أحد ينكر ما حصل في عهد بني أمية من مظالم ونقص في اليدن، ولكنه ليس كما يصور مخالفوهم، إذ كان الإسلام في عهدهم عزيزا، يشهد بذلك كل من له أدنى اطلاع على تاريخ المسلمين، فلا يحسن هنا، أيضا، استخدام نفس الاستراتيجية الانتقائية التي تتصيد المعايب وتغض الطرف عن المزايا، وكيف يمكن الله، عز وجل، لدولة ظالمة، اغتصبت الحق من أهله، فيعلي كلمتها، ويخضع أمم الأرض لدينها وسلطانها؟!!، أليس في هذا إضلالا للبشر، خاصة على قول من يقول بوجوب اللطف على الله، عز وجل، وبأن الإمامة منصب إلهي، يلطف به الله، عز وجل، بعباده، فأين هذا اللطف، إن كان الأئمة من بعد الحسن، رضي الله عنه، معزولين عن سلطانهم المغتصب، بدعوى المنتسب إليهم؟!!.

يقول ابن أبي العز، رحمه الله، في "شرح العقيدة الطحاوية":

"ومن كماله المقدس: شهادته على كل شي واطلاعه عليه، بحيث لا يغيب عنه ذرة في السماوات ولا في الأرض باطنا وظاهرا، ومن هذا شأنه كيف يليق بكماله أن يقر من يكذب عليه أعظم الكذب، ويخبر عنه بخلاف ما الأمر عليه، ثم ينصره على ذلك ويؤيده، ويعلي شأنه ويجيب دعوته، ويهلك عدوه، ويظهر على يديه من الآيات والبراهين ما يعجز عن مثله قوى البشر، وهو مع ذلك كاذب عليه مفتر؟!!!! ".

ونفس السؤال يتوجه للأتباع: إذ كيف يقر الأتباع، بل وينصروا، وتتسع دولتهم ويدخل الناس في دينهم أفواجا، وهم مع ذلك مبدلون مغيرون مغتصبون للحق من أهله؟!!!!.

ومعظم الفتوحات، بل كلها عند التحقيق، لم تتم إلا على أيدي قيادات ورجالات أهل السنة، حتى البلاد التي يقطن فيها اليوم القادحون فيهم لم تعرف الإسلام إلا على أيديهم.

وكذا العلماء الربانيون ما ظهروا إلا في ظل حكم أهل السنة.

*****

وأما لعنك لمن قتل عمارا، رضي الله عنه، فقد قيل بأنه: "أبو الغادية"، رضي الله عنه، وقد ذكر ابن حزم، رحمه الله، أنه كان ممن بايع تحت الشجرة، كما نقل ذلك عنه ابن تيمية، في "منهاج السنة"، (6/ 333)، فإن صح ذلك فلا إشكال عند أهل السنة، في ذلك، لأن الأمر أشبه ما يكون بتعارض دليلين، أحدهما أقوى من الآخر، فقتل عمار، رضي الله عنه، خطيئة، بل كبيرة، ولكن هذه الكبيرة قد قوبلت بفضيلة السبق إلى بيعة الشجرة، لأن أبا الغادية، رضي الله عنه، من السابقين الأولين الذين بايعوا تحت الشجرة، فالفضيلة أكبر من الكبيرة، فضلا عن عذر التأويل الذي صاحب القوم من أول الأمر، فلا مانع أن يجتمع القاتل والمقتول في الجنة، مع كون أحدهما باغيا على الآخر، بل إن المؤمن قد يكفر مؤمنا آخر، فلا يدخل في حد وعيد تكفير المؤمن لاجتهاد ترجح عنده، بشرط أن يكون اجتهادا معتبرا، لا اجتهادا كاجتهاد الخوارج.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير