{فاخلع نعليك انك بالوادي المقدّس طوى} 0 فلما سمع ذلك علم أنه ربه, خفق قلبه وكل لسانه وضعفت بنيته وصار حيا كأنه ميّت الا أن روح الحياة تدب فيه من غير حراك, وكان السبب في أمر الله له بأن تمس راحة قدميه الأرض الطيّبة فتناله بركتها لأنها مقدسة, وقال بعض العلماء أن السبب هو أن الحفوة , أي أن يمشي الإنسان حافيا, في مكان مقدس أو طاهر تعدّ من إمارات التواضع والاحترام وتهذيب النفس. ثم تلقى موسى u الوحي الإلهي الذي بلغه بأنه نبي مختار من الله U فقال: {و أنا اخترتك فاستمع لما يوحى * إنني أنا الله لا اله الا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري* إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى * فلا يصدّنّك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردّى}. و جاء دور العصا التي انصرفت مشيئة الله أن تكون معجزة من معجزات موسى u , فقد سأل الرحمن الرحيم عبده موسى u عن العصا فقال: {وما تلك بيمينك يا موسى}. أجاب موسى إجابة البشر الذين لهم حدود في المعرفة, فقال في حدود المعرفة, فقال في حدود علمه: {هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى} 0إلى هذا الحد توقف موسىuعن الحديث فهذه حدوده كبشر, والمآرب الأخرى يعرفها موسى u, فهو اذا ألقاها فيرى أنها انقلبت حية كأعظم ما يكون من الثعابين السوداء الضخمة تدب على الأرض, جاء في وصفها: إنها سوداء مدلهمة تدب على أربع قوائم فتصير شعبتاها فما مفتوحا وفيه اثنا عشر نابا و ضرسا لها صريف
و صرير يخرج منها كلهب النار, وعيناها تلمعان كما يلمع البرق .. وكانت تكون في عظم الثعبان وفي خفة الجان ولين الحية, وذلك موافق لنص القرآن الكريم حيث يقول الله I في موضع: {فاذا هي ثعبان مبين}. و في موضع آخر: {كأنها جانّ}. و في موضع ثالث: {فاذا حيّة تسعى}. نعود الى مشهد الحوار بين موسى u ورب العزة U فبعد أن عرف موسى ما بيمينه وقال: {هي عصاي} جاءه الأمر الإلهي فجأة يقول: {ألقها يا موسى}. رمى موسى u العصا من يده, وقد ازدادت دهشته, و فوجئ u بما يرى أمامه, فالعصا قد تحوّلت الى ثعبان عظيم هائل الجسم, وراح الثعبان يتحرّك بسرعة مخيفة, ولم يستطع موسى أن يقاوم خوفه, وأحسّ أن بدنه يهتز بشدة ويرتعش بعنف, وانتابه شعور بزلزال من الخوف, فما كان منه الا أن استدار الى الخلف فزعا وانطلق يجري خطوات قليلة حتى ناداه ربه .. كي يثبّته ويطمئنه قائلا: {يا موسى لا تخف إني لا يخاف لديّ المرسلون} 0 {أقبل ولا تخف انك من الآمنين}. توقف موسى لحظات واستدار وعاد مكانه خائفا من الحية التي تتحرك أمامه. كيف يقف موسى u أمام ثعبان ضخم بدأ يتحرّك أمامه ويرفع رأسه ويفتح فمه؟ وعاد صوت رب العزة يناديه قائلا: {خذها ولا تخف} 0 كيف يأخذها وهي تتحرّك؟! لم يسبق لموسى أن أمسك ثعبانا ضخما كهذا بين يديه, فهذا طريق الموت والهلاك بعينه, من يجرؤ على ذلك؟ ولكن جاء التأكيد من الله I والوعد بالاطمئنان وعدم الخوف, قال I:{ خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى}. تردد موسى برهة, وخاف وتلعثم لحظة, وبدأ يقترب بحذر شديد, مدّ موسى يده التي كانت ترتعش, وكان على موسى جبة صوف فلفّ كمّه على يده وهو للثعبان هائب, فنودي أن أخرج يدك, فحسر كمّه عن يده ووضع تحت يده رأسها فلما أدخل يده ولمس الثعبان فاذا هي عصاه في يده ويده بين شعبتيها حيث كان يضعها. ثم جاء الأمر الإلهي مرة أخرى لموسى u فقال له: {اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب {0 وضع موسى يده في جيبه وأخرجها فاذا هي تتلألأ كالقمر, يعجز البصر عن النظر الى بريقها الجميل, وقد زاد ذلك انفعال موسى u, فوضع يده على قلبه كما أمره ربه: {واضمم اليك جناحك من الرهب}. وضع يده على قلبه كما أمره الله فذهب خوفه وشعر بالطمأنينة, وسكنت أطرافه عن الارتجاف والارتعاش, واستعاد توازنه وأصدر الله U أمرا بعد أن أراه هاتين المعجزتين بأن يذهب الى فرعون فيدعوه الى الله برفق ولين, فأبدى موسى u خوفه وفزعه من فرعون وقال لربه أنه قتل نفسا منهم ويخاف أن يقتلوه. لم يدر موسى u أن عصاه هي التي رأى منها المعجزات ستهز بقدرة الله أركان فرعون وملكه كله. و لذلك ولعدم دراية موسى u بما في الغيب طلب من ربه أن يرسل معه أخاه هارون u. طمأن الله نبيّه موسى u وقال انه سيكون معهما يسمع ويرى,
¥