تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وولدها إسماعيل, ولكنها أبت وأصرّت, فوجد أن لا مناص من أن يباعد بينهما. اصطحب إبراهيم هاجر و ولده إسماعيل, و خرج بهما قاصدا مكانا يؤويهما فيه, و سار ما شاء الله له أن يسير, فترك فلسطين, و قصد جهة الجنوب, ضاربا في صحراء الحجاز, كان ذلك على ما يبدو بوحي خفي, فكان يمشي طوال النهار ولا يستقر في مكان إلا إذا أحس بتعب و احتاج للراحة أو أحس بجوع أو عطش, ثم يستأنف المسير بهاجر و ولده الطفل الصغير, و ظلّ على هذه الحال إلى أن استقرّ به المقام بوادي مكة, و مكان ملتقى الطرق للقادم و الذاهب من الشام إلى اليمن و بالعكس, و في هذا الوادي أقام u لأسرته الصغيرة الأم و وليدها خيمة, يأويان إليها إذا جنّ عليهما الليل و يضعان فيها ما معهما من زاد و متاع0 التفتت هاجر يمينا و نظرت يسارا, و كان ما تراه لا يوحي بشيء مريح, فهو مكان مجدب مقفر, فلم تقع عيناها على زرع و لا ضرع, و لا ماء, و لا حتى بشر يؤنسون وحدتها0 ساد الصمت برهة من الزمن هاجر تنظر هنا وهناك, و قد أصابتها حيرة و دهشة, فكيف اختار u هذا المكان المقفر الموحش مستقرّا لأسرته, لا بد و أنه موحى إليه أو مأمور بذلك, وخطر ببالها أن تسأله حتى تجد تأكيدا لخواطره و شكوكها, فرفعت رأسها و قالت في شغف: أأمرك ربك أن تتركنا هنا يا إبراهيم؟!. قال إبراهيم: نعم0 قالت هاجر المؤمنة بربها على الفور: إذن توكل على الله, فقد وكلتنا إلى من لا يضيع عنده الرجاء0 و في وداع يحمل هيبة الايمان وجبروت المشاعر, ترك u هاجر ووليدها الطفل الصغير إسماعيل ومضى وأحسب أن الدموع قد احتبست في حدقات هؤلاء البشر منها دموع طفل أنهكه السفر, وأقلقه أم ّ تضطرب أمام تجربة لم تعهدها من قبل0 ومضى u منصرفا عن زوجته وابنه, فلما صار على مرمى النظر منهما, رفع رأسه وابتهل في دعاء خاشع فقال: {ربنا إني أسكنت من ذريّتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرّم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} 0 وكانت نظرة الوداع من إبراهيم بعد هذا الدعاء المبارك, الذي يعد دعاء للزمان, ومضى u عائدا إلى بلاد الشام. مرّت الأيام وعطش إسماعيل و بكى وهرولت هاجر من وادي المروة إلى جبل الصفا وكررت, وتفجّر بئر زمزم, وشرب إسماعيل من عين عذبة خصصت لضيوف الرحمن, ولم تخف هاجر الضيعة فهنا سيبني خليل الله بيت الله. وكانت عين زمزم التي تفجر ماؤها خير شيء في هذا المكان رغبة المارّة, فنزلوا بها, وأقاموا أوقاتا الى جوارها للاستراحة والاستسقاء. و راق لإحدى قبائل العرب أن تنزل بجوار وادي مكة, وهي قبيلة جرهم, فاستأذنوا هاجر, فأذنت لهم, فوجدت الى جوارها من تستأنس به, وتطمئن الى جواره. وعمرت مكة بهذه القبيلة وأصبح الوادي عامرا بالناس و الإبل والماشية والطيور, وتحققت دعوة إبراهيم u عندما دعا لها وهو مغادر هذا الوادي قاصدا بلاد الشام وفلسطين التي تسكنها سارة حين دعا ربه قائلا: {فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات}. وفي بلاد الشام شعر u بحنين لرؤية ابنه إسماعيل وزوجته هاجر, وجاء خليل الله إبراهيم ليرى ما فعل الله بوديعته, فوجد عمرانا وناسا وخياما, وحياة تدب في كل مكان, حتى ظن أنه قد ضلّ عن وادي مكة الذي ترك فيه إسماعيل وهاجر بأمر ربه, فقد كان واديا غير ذي زرع, حتى أنه سأل: أهذا وادي مكة, أهنا تسكن هاجر وإسماعيل؟ عرف u أنه وادي مكة. ومضى خليل الرحمن u يبحث عن خيمة هاجر وابنه إسماعيل بلهفة ما بعدها لهفة, وشوق ما بعده شوق, لقد كثرت الخيام وتعددت, ولكن خيمة هاجر شهيرة, معروفة لدى العامة في مكة. فأرشده الناس إليها0 نظر الخليل u في وجه طفله المشرق, فسرّه سرورا كثيرا, وفرح به فرحا وفرحت هاجر بلقاء زوجها وشكرا الله على ما أولاهما من نعم, وعلى ما حباهما من عطف. و ظلّ هذا حال ابراهيم عليه السلام يأتي الى أسرته الصغيرة الجميلة بين الحين والحين لرؤية إسماعيل وأمه. و في كل مرّة كان u يصلي ويسجد شكرا لله I الذي أقر عينه بجمال طفله وهو في هذه السن البعيدة والعمر المتأخر, ولم تكن هذه نعمة الله الوحيدة على ابراهيم الخليل u, ولكن الله أفاء عليه بالكثير الكثير من النعم والعطايا. وأكبرها نعمة الايمان.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير