تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أصبحت أكثر نظافة و نظاما عما قبل, وعادت الحياة تدب من جديد في أرجائها, و خرجوا إلى القرى المحيطة بها فعمروها, و بدأ التجار عملهم, فاستؤنفت التجارة بين القرى, و بدأ أرباب الصناعة في تشغيل صناعاتهم وظهرت المساكن الجديدة هنا وهناك, وامتدت الأيادي للبناء, وكان الجميع في سعادة وهم يبنون ويعمّرون ويشعرون بالحريّة, ولم يعد الذل يطاردهم كما كان في بابل. ومضت ثلاثون سنة أصبحت فيها البلاد عامرة, وقد أثمرت صناعاتهم وعمّرت قراهم, وانحسرت آثار الكارثة التي مرت بهم تماما ولم يعد لها أثر يذكر0 كانت زوجة عزير u قد كبرت وأخذ منها الزمان ما أخذ, وكذلك خادمته الصغيرة, وقد بحثوا جميعا في أول مجيئهم مع بني إسرائيل عنه u في كل مكان بالمدينة, فلم يجدوا له أثرا, وأرسلوا إلى المدن والقرى للبحث عنه u ولكن دون جدوى0 وأثناء سؤالهم هذا صرفهم الله Y عن المغارة التي سكنها u و مات فيها, وانصرفت مشيئة الله أن لا يقترب بشر من هذه المغارة, لأمر عنده كان مفعولا, و اكتملت مئة عام على وفاته u, فتحرّك الجسد الذي أصبح ترابا, وأحياه ربه بعد مئة عام, ردّ فيه الحياة, فاجتمعت عظام جسمه ونبض قلبه من جديد فاعتدل جالسا, و نظر حوله هنا وهناك فوجد إلى جواره إناء العصير, وطعامه لم يحدث له شيء وسمع مناديا ينادي {كم لبثت} كم من الوقت قضيت في النوم.؟ نظر u حوله فوجد الشمس قد بدأت تعلو من المشرق, فأجاب على الفور

{لبثت يوما أو بعض يوم} أي نمت يوما أو أقل من يوم, فوجد الصوت الذي ناداه يقول {بل لبثت مئة عام .. } 0 دهش u وفزع مما سمع, وردّد في ذهول: مئة عام؟! وأعاد النظر إلى سلة الفاكهة, فوجد العنب طازجا كأنه مقطوف لتوه وكذلك التين, والعصير في الإناء الجلدي كما هو لم يتغيّر ولم تصدر عنه رائحة غير مقبولة, ولم يتبخر ولم يتجمّد, ولم يدركه أي تحول في الطعم أو اللون0 تذكر u شيئا و نظر هنا وهناك بسرعة, و تطلع إلى الأفق هناك خلف الأشجار, وكأنه يبحث عن شيء, لقد تذكّر حماره, أين هو؟ .. لا بد أنه هرب, ووقعت عيناه على عظام بالية في المكان الذي ربطه فيه, وربما تساءل في نفسه, ولم الحمار, لقد أصبح عظاما نخرة بعد أن أفناه الدهر؟ وقف u بين فاكهته وطعامه الذي لم يتغيّر و بين حماره الذي فني وأصبح عظاما لطول ما مرّ به من السنين, وبدأ يردد: إنها مئة عام, حقا إنها مئة عام, كانت كافية بإفناء جلد الحمار وعظامه, ولحمه, لقد بليت حوافره وزالت وأصبح مكان عينيه حفرتان في عظام الرأس المجوّفة0 رأى u آيات ربه: فطعامه لم يتغير وحماره أصابه الفناء .. سبحان الله, إنها بلا شك آية من آيات الله العلي القدير, ونعمة من نعمه العظيمة, ثم زاد مستدركا: بل إنها آية, وكرّر: إنها آية من آيات الله0 وانصرف u للتسبيح والصلوات حتى سمع قول الله عز وجلّ: {ولنجعلك آية للناس} 0 لم تكن الآية في الطعام والشراب الذي لم يتغيّر بل أصبحت في نفسه u, وهذا ما جعله يفكّر فيما سيأتي من بعد ذلك. ما الذي سيحدث بحيث يصبح u آية تدعو إلى العجب والدهشة ومعجزة يتحدّث عنها الناس جميعا؟! ولكن ما هي الآية؟ وعمّ ستكون المعجزة؟! فجأة سمع u نداء خفيّا, يقطع عليه تفكيره, ويصرفه عن هذا التفكّر والتأمّل, جاء النداء يقول آمرا عزير: {وانظر الى العظام} 0 نظر u إلى العظام, ثم أكمل الصوت أو النداء: {كيف ننشزها ثم نكسوها لحما} 0 أعاد النظر u فإذا به يجد عظام الحمار تتحرك قائمة بقدرة الله ومشيئته, كل عضو يتحرك إلى مكانه المعروف من الجسم, حتى اكتمل هيكل الحمار العظمي ثم يكسو الله بقدرته ومشيئته هيكل العظام هذا باللحم, حتى يعود حماره u خلقا كاملا سويا كما كان0 أخذته u الدهشة لكنه تمالك نفسه, ولما رأى ذلك بعينه سلّم وآمن بقدرة الله I, واطمأن يقينه, فقال في خشوع: {أعلم أن الله على كل شيء قدير} 0 لقد كان u في زمن سبق موته يعجب لقدرة الله كيف تعيد الحياة إلى هذه البلاد بعد أن رآها مقفرة موحشة, وها هو اليوم يرى أعجب وأعظم مما كان يتصوّر, إنها قدرة الله I0 خرج u ينظر إلى الطريق العام فوجد الناس تأتيه من بعيد وهم يتكلمون رائحين وغادين, ورأى المدينة قد عمّرت, ورأى في المدينة أنوارا خافتة تظهر مع طلائع الظلام التي أقبلت مع الغروب, مما جعله u يشعر بالفرح والسرور ويشكر الله على نعمته, ويتيقن كما

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير