كان أن الله على كل شيء قدير0 مضى u إلى المدينة يتطلع إلى أخبارها وكيف أصبحت بعد مئة عام, وماذا يفعل الناس: أهم سعداء أم بهم همّ وما هي أخبار أسرته؟ هل هناك أحد منهم على قيد الحياة؟ دخل u المدينة وفي رأسه مئات الأسئلة يريد إجابة عليها, فإذا به يرى مبان جديدة, رائعة التقسيم والبنيان على غير ما كان يرى منذ مئة عام, وشوارع وخططا غير التي كان بعهدها في القديم, وأخذ ينظر هنا وهناك, ويتنقل في طرقاتها وشوارعها بحثا عن منزله القديم الذي تركه منذ أكثر من مئة وعشرين سنة, ولما وجد نفسه في مكان جديد عليه وقد تغيّر تماما عما عهده قبل مئة عام, هداه فكره إلى أن يسأل الناس المارّة في الشوارع0 تحدّث u و قال لأحدهم: أين دار عزير؟ فأجابه الرجل: لا نعرف دار عزير, و لكن يوجد هنا ديار أبناء عزير! انظر إلى هذه الدور المتراصّة, إنها دور أبناء عزير0 مضى u إلى المكان حتى جاء إلى دور أبنائه, وعند أوّل باب من أبوابها طرق الباب طرقا خفيفا, فسمع صوتا من الداخل يقول: من الطارق؟ من بالباب؟ فأجاب على الفور: أنا عزير!! فقال الفتى الذي ردّ عليه: ماذا تقول؟ عزير! أتسخر منا يا رجل؟ فقال u: افتح الباب يا بني وستعرف أنني لا أكذب عليك ولا أسخر منك0 ففتح الفتى الباب, ونظر إلى الرجل في دهشة واستغراب, ثم قال: لقد فقدنا عزير منذ مئة عام على ما سمعت من أبي, وكان سنه يومئذ أربعين سنة, فلو كان حيا لوجب أن تكون سنه الآن مئة و أربعين سنة, وأنا أراك الآن في سن الأربعين, إنّك أصغر من أحفاده, فكيف يمكنني التصديق بأنك أنت عزير؟! سمع الناس الحوار بين عزير و أحد أحفاده فتجمّعوا حوله وأمطروه بالأسئلة, وكان يجيب بثقة ولسان صدق ويقول لهم: لقد أماتني الله مئة عام ثم بعثني, ورأيت بنفسي طعامي لم يتغيّر لونه ولا طعمه وشرابي لم يتبخر ولم يتغيّر وحماري الذي رأيت عظامه تتحرك وتأتي كل واحدة مكانها حتى اكتمل, فكساه الله لحما وعلا صوته ونهق نهيقا شديدا, كل هذا بعد مئة عام وقد ظننتها يوما أو بعض يوم, ولكنّ الله Y أعلمني أنها مئة عام, بعثت بعدها بمشيئة الله, أليس الله على كل شيء قدير؟! في هذه الأثناء ظهرت عجوز لا ترى ما أمامها تتوكأ بصعوبة على الحائط مقعدة, ونادت قائلة: أدخلوه إلى داخل الدار, فإنني أعرف علامة في عزير فإن كان هو عرفته بها, فدخل عزير u عليها فإذا هي عجوز عمياء قد أهلكها الدهر, فقالت له: أتقول أنك أنت عزير يا هذا؟ قال: نعم0 قالت: لقد كان لدى عزير خادمة, وقد تركها وسنها عشرون عاما, أتعرف اسمها؟ قال: نعم اسمها "أشتر"0 و قد تركتها و سنها عشرون عاما, فإذا كانت على قيد الحياة فسنّها الآن مئة وعشرون عاما0 فقالت العجوز: أتعرف أنني أنا "اشتر" خادمة عزير؟ وكان في عزير علامة, فقد كان مستجاب الدعوة فينا, فكان لا يسأل الله شيئا إلا استجاب له, فإن كنت عزيرا حقا, فادع الله لي أن يردّ عليّ بصري, وأن يشفي قدمي, فقد صرت مقعدة لا أستطيع المشي والنهوض من شدة الآلام فيهما0 و في لحظات دعا u ربه, ومسح بيده على عينيها, وأخذ بيدها لينهضها وهي مقعدة فإذا بها تنهض على ساقيها, وتبصر أحسن ما يكون الإبصار, و تأملت في وجه وقالت: أشهد أنك عزير, إني أراك الآن كما رأيتك آخر مرة شاهدتك فيها منذ مئة عام0 وجاءت عجوز أخرى يقرب عمرها من مئة وأربعين عاما وقالت: وأنا أتعرفني يا عزير؟ فقال: أنت زوجتي ولن أجهلك أبدا0 وكان عند خروجه قد أعطاها خاتمه وقال: لعلك تذكرينني به, وكذلك هي فقد أعطته خاتمها كي يذكرها به, فقالت له: أتذكر ماذا تبادلنا ليلة خروجك؟ قال: تبادلنا خاتمي وخاتمك, فقد أعطيتك خاتمي وقلت لك: لعلك تذكرينني به .. وأعطيتني خاتمك وقلت لي: لعلك تذكرني به .. وها هو ذا خاتمك, وخلعه من إصبعه, وقدّمه لها0 فرحت العجوز زوجة عزير وقالت: وها هو ذا خاتمك يا عزير ولطالما ذكرتك به0 وتجمّع الناس على هذه الأحداث العجيبة التي جرت أمامهم فتكاثروا وجاء غيرهم, حتى ضاقت دار عزير, فوقفوا أمامها يعجبون لهذا الأمر العظيم, وهذه الآية الكبرى التي توالت أمامهم كالحلم, فكلما همّوا بتكذيب كلمة جاء تصديقها بشاهد وموثق, لأن مشيئته U انصرفت كي يكون عزير آية للناس, وذلك لقول الله I:{ ولنجعلك آية للناس} 0 في هذه الأثناء خرجت خادمته التي أبصرت واستعادة عافيتها
¥