تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد احتاط الإسلام كل الاحتياط، فسد كل ذريعة تفضي إلى الشرك أو مشابهة المشركين. فنجد نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم يرفض في شدة وصراحة كل مبالغة في تعظيمه تظهره في غير مظهر العبودية لله، التي لا يفخر بغيرها، فيقول لأصحابه " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، وقولوا: عبد الله ورسوله" متفق عليه. وروى النسائي عن ابن عباس: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت فقال: أجعلتني لله ندا؟! قل: ما شاء الله وحده. وروى الطبراني: أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين فقال بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله".وهكذا علمهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطوا كل ذي حق حقه، فالعبد عبد والرب رب. وروى النسائي عن أنس بسند جيد ـ أن أناسا قالوا: يا رسول الله، يا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا، وابن سيدنا، فقال: يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل". وفي رواية أنه قال لهم "السيد الله تبارك وتعالى".إن الجماهير دائما تميل إلى الغلو في تعظيم القادة، بعضهم عن إخلاص، وبعضهم عن ملق، فكيف إذا كان القائد نبيا؟ وكيف إذا كان سيد النبيين؟! ولكن النبي لقنهم درسا ألا يتجاوزوا به حد العبودية: "أنا محمد بن عبد الله ورسوله".كما علمهم أن يعلنوا ل يوم تسع مرات، في الصلوات المفروضة، فضلا عن السنن والنوافل كلما جلسوا للتشهد: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله".

لا تتخذوا القبور مساجد

إن الغلو في تعظيم الصالحين والقديسين في حياتهم، والتبرك بآثارهم وقبورهم بعد مماتهم، هما أوسع أبواب الشرك بالله، وقد سدهما النبي صلى الله عليه وسلم سدا منيعا، فلم يقر أحدا على الغلو في تعظيمه حيا أو تعظيم قبره ميتا، بل دعا ربه فقال: اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. وعن علي بن الحسين ـ زين العابدين ـ رضي الله عنهما: أنه رأى رجلا يجئ إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو، فنهاه وقال: "ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقال: "لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا فإن تسليمكم ليبلغني إينما كنتم".وفي الصحيح عن عائشة: أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله". فهؤلاء ـ كما قال العلماء ـ جمعوا بين فتنة القبور، وفتنة التماثيل. وروى الشيخان عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم (وهو في اللحظات الأخيرة له يودع الدنيا ويستقبل الآخرة) كان يقول: لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا. وكل هذا احتياط من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، فالقليل يجر إلى الكثير، والصغير يدفع إلى الكبير، فربما تدرج بهم الأمر إلى تلك القبور فعظموها مع الله، وأصبحت شبيهة بالأصنام تبركا وتمسحا بها، وطوافا حولها، وتقبيلا لجوانبها، والتماسا للبركات عندها أو منها، كما يفعل ذلك اليوم بعض الضالين من المسلمين، ويعتذر لهم بعض الخادعين أو المخدوعين. وقد روى أهل العلم في أصنام قوم نوح "ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر" أنها أسماء قوم صالحين، لما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم! وقد أنكر أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كل ما يشتم منه رائحة التقديس لمكان أو شيء من مخلوقات الله، فعن المعرور بن سويد قال: صليت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في طريق مكة صلاة الصبح، ثم رأى الناس يذهبون مذاهب، فقال: أين يذهب هؤلاء فقيل: يا أمير المؤمنين، مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم فهم يصلون فيه، فقال: إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا: كانوا يتبعون آثار أنبيائهم ويتخذونها كنائس وبيعا، فمن أدركته الصلاة منكم في هذه المساجد فليصل، ومن لا فليمض ولا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير