تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يتعمدها، وكذلك أرسل عمر رضي الله عنه أيضا فقطع الشجرة التي بايع تحتها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما نهى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوع الشمس أو عند زوالها أو عند غروبها، بعدا بالمسلم عن مظنة المشابهة لعباد الشمس الذين يسجدون لها في هذه الأوقات.

لا حلف إلا بالله

ومما منعه النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلف المسلم بغير الله تعالى، فالحلف تنظيم وتقديس للمحلوف به، ولا ينبغي أن يكون التعظيم والتقديس إلا للخالق جل وعلا، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله"، "من حلف بغير الله فقد أشرك"، "لا تحلفوا بآبائكم". وكانوا يحلفون فيقولون: والكعبة فأمرهم النبي إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة. لا ذبح ولا نذر إلا لله وحرم الإسلام على المسلم أن يذبح لغير الله فقال عليه السلام "لعن الله من ذبح لغير الله".وقد جعل من الأطعمة المحرمة ما أهل لغير الله به (أي رفع الصوت عند ذبحه باسم غير الله) وكذلك ما ذبح على النصب. وهكذا حمى الإسلام جناب التوحيد، وسد منافذ الشرك.

أوثان جديدة يجب الحذر منها:

ومن واجبنا ونحن نتبين تحذير الإسلام من الشرك بكل صوره ـ أن ننبه على أوثان جديدة غزت عقيدة التوحيد الخالصة في هذا العصر، إن بعض السطحيين من المتدينين أنفسهم يحصرون الشرك وعبادة غير الله في صورة واحدة، هي الوثنية التقليدية التي تتمثل في عبادة إله أو آلهة مجسمة أو منظورة، تقدم الصلوات والقرابين إليها، وتلتمس المنافع والبركات من بين يديها. ونسي هؤلاء أن الشرك مراتب وأنواع، وأن الأصنام منها ما يرى ومنها ما لا يرى، وأن العبادة منها التقليدي وغير التقليدي. من الشرك أكبر وأصغر، ومنه جلي وخفي، بل منه ما هو أخفى من دبيب النمل على الصفا. ومن الأوثان ما يعبده الناس ويقدمون له الولاء، وإن لم يسموه وثنا أو إلها أو ربا، ولم يسموا ما يقدمونه إليه عبادة، ولكن العبرة بالمقاصد لا بالألفاظ، وبالمسميات لا بالأسماء. لهذا حذر الإسلام من الشرك كله: أكبره وأصغره، جليه وخفيه، وأغلق كل المنافذ التي تهب منها ريحه السموم، حماية لحمى التوحيد. حتى رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يعد الرياء شركا. ويعتبر القسم بغير الله شركا. وينكر على من قال له: ما شاء الله وشئت يا رسول الله، فيقول له: أجعلتني لله ندا؟! قل: ما شاء الله وحده. وينهى أن يقول المسلم: هذه لله وللرحم، أو لوجه الله وفلان، فإن الله لا يقبل الشركة، وإنه لأغنى الأغنياء عن الشرك. كما رأيناه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعد تقديس المقابر والأضرحة ضربا من الوثنية، وهذا ما جعله يدعو ربه فيقول: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد".بل رأينا القرآن الكريم يلفتنا إلى "وثن" أو "إله" خطير، يتعبد له الملايين وهم لا يشعرون، وذلك هو "الهوى". أفرأيت من اتخذ إلهه وهواه وأضله الله على علم .. " أرأيت من اتخذ ألهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا".

وفي عصرنا هذا ظهرت أوثان ومعبودات شتى، أصبحت تمتلك قلوب الناس ومشاعرهم وولاءهم، بذكرها يهتفون، وباسمها يقسمون، وفي سبيلها يجاهدون ويستشهدون، تلك هي أوثان الوطنية والقومية وما شاكلها. تدخل المدارس والجامعات، وتشهد المؤتمرات والندوات، وتقرأ الصحف والمجلات، وتسمع برامج الإذاعات، فلا تكاد تسمع لله ذكرا، أو تجد له مكانا، وإنما تجد معبودا آخر، تدور حوله كل الأفكار، وكل المشاعر، وكل الأعمال، إلا القليل، أو أقل القليل، إنه "الوطن" أو القومية ـ العروبة مثلا ـ أو المجتمع أو الدولة أو غير ذلك من أصنام هذا العصر. ومن السائد المنتشر الآن البداءة باسم الوطن أو الشعب، وإن تكرم فباسم الله واسم الشعب، والحلف باسم الوطن أو الشعب "أقسمت باسمك يا بلادي" والجهاد في سبيل الوطن أو العروبة، فإن قتل فهو شهيد الوطن أو العروبة ونحوها. وهذا هو أخطر أنواع الشرك التي دخلت على المسلمين من حيث لا يشعرون، وسجلها الدارسون الأيقاظ، بوصفها ظاهرة جديدة في حياة المسلمين.

يقول الأستاذ برنارد لويس:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير