تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"كل باحث في التاريخ الإسلامي يعرف قصة الإسلام الرائعة في محاربته لعبادة الأوثان منذ بدء دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وكيف انتصر النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه وأقاموا عبادة الإله الواحد التي حلت محل الديدنات الوثنية لعرب الجاهلية، وفي أيامنا هذه تقوم معركة مماثلة أخرى ولكنها ليست ضد (اللات) و (العزى) وبقية آلهة الجاهلية، بل ضد مجموعة جديدة من الأصنام اسمها الدولة: والعنصر والقومية، وفي هذه المرة يظهر أن النصر حتى الآن هو حليف الأصنام!!! فإدخال هرطقة القومية العلمانية أو عبادة (الذات الجماعية) كان أرسخ المظالم التي أوقعها الغرب على الشرق الأوسط، ولكنها مع كل ذلك كانت أقل المظالم ذكرا وإعلانا. لقد أفسد الناس الأديان .. أنزلها الله لتسمو بهم فهبطوا هم بها! والعجب أن فسادها كان من رجال الأديان أنفسهم، لقد جعلوا من أنفسهم حجابا على باب الله الفسيح، مهمتهم أن يمنعوا الناس الاتصال المباشر به أو التقرب المباشر إليه، إنهم احتكروا لأنفسهم الصلة بالله والقرب منه، ووجدوها بضاعة رائجة وسلعة تشتد الحاجة إليها، فبالغوا في احتكارها وإغلاء أسعارها. ومن ثم قيدوا العبادات بمكان معين ـ يدخل في سلطتهم ـ لا تجوز إلا فيه. وقيدوها بوسيط معين، يقوم بعملية السمسرة بين الله وعباده، وقيدوها بمراسم وطقوس كهنوتية خاصة لا تقبل بدونها. وكل هذا يحتاج إلى إتاوات تبذل، وجعالات تدفع للأحبار والكهنة، المحتكرين لهذا الصنف من العلاقات!

رجال الكهنوت في العصور الوسطى

وقد بالغ رجال الدين المسيحي بالغرب في العصور الوسطى في فرض هذه المظاهر الكهنوتية فعلقوا في معابدهم رسوما وتماثيل للعذراء والمسيح، وأيقونات ونحوها، وعدتها الكنيسة شعائر تعبدية واجبة التقديس. وكان أعجب ما صنعوه أنهم اتخذوا من الجنة مصدرا للثروة يبيعون منها قراريط وأسهما لمن يدفع الثمن المعلوم، وعلى قدر المدفوع يكون عدد الأسهم، ومن الطرائف اللاذعة ما حكوا أن أحد أثرياء اليهود أراد أن يقابل هذه السخريات العجيبة بسخرية أمر وأعجب، فقد ذهب إلى أحد البابوات ولم يشتر منه الجنة، كما كان يفعل المسيحيون، ولكنه اشترى منه صفقة أخرى هي: جهنم! فباعها له بثمن بخس: لأنها سلعة لا يرغب فيها أحد، ولكن اليهودي الماكر أعلن للمسيحيين جميعا: ألا يبالوا بشراء الجنة بعد اليوم، لأنه هو قد اشترى من البابا جهنم، ولن يدخل أحدا فيها!! قالوا: فعاد البابا واشتراها بأضعاف ما باعها به! وكل قارئ للتاريخ يعرف ثروة "لوثر" على ما أسموه "صكوك الغفران".والرؤساء الروحانيون في المسيحية يزعمون أن لهم سلطة المنح والمنع، والغفران والحرمان، والإدخال في رحمة الله، والطرد منها، لأن المسيح قال لبعض تلاميذه: سأعطيك مفاتيح ملكوت السموات، فكل ما ربطته على الأرض يكون مربوطا في السموات، وكل ما حللته على الأرض يكون محلولا في السموات.

تحرير العبادة من قيود المكان

أما الإسلام فكان له شأن آخر في تقرير الصلة بالله والعبادة له. لقد حرر الإسلام العبادة من قيود الوساطة والمكان وكل مظاهر العبودية للكهنوت. فالأرض كلها محراب كبير للمسلم، فحيثما توجه يستطيع أن يتجه بعبادته إلى الله، وفي هذا يقول القرآن العظيم (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) ويقول الرسول الكريم في بيان الخصائص التي أعطيتها أمته ولم تعطها أمة قبلها: (وجعلت لي الأرض مسجدا طهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل).وقد كانت هذه الخصيصة للعبادة الإسلامية موضع الإعجاب العظيم والتأثير البالغ من كثيرين من غير المسلمين، حتى من رجال الأديان أنفسهم، حتى قال أحدهم ـ وهو أسقف "لوفروا": لا يستطيع أحد يكون خالط المسلمين لأول مرة، ألا يدهش ويتأثر بمظهر عقيدتهم، فإنك حيثما كنت سواء أوجدت في شارع مطروق أم في محطة سكة حديدية أم في حقل ـ كان أكثر ما تألف عينك مشاهدته أن ترى رجلا ليس عليه أدنى مسحة للرياء، ولا أقل شائبة من حب الظهور، يذر عمله الذي يشغله كائنا ما كان، وينطلق في سكون الليل وتواضع لأداء صلاته في وقتها المعين".ولقد كان هذا المشهد الفريد في الأديان أحد العوامل التي أثرت في وجدان المحامي الكبير الأستاذ زكي عريبي عميد الطائفة اليهودية في مصر والذي اهتدى إلى الإسلام في عام 1960م، ومما جاء في محاضرته "لماذا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير