تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أسلمت؟ " قوله:"وما سمعت المؤذن يؤذن في الفجر أو في الظهر أو في وقت آخر إلا شعرت بأن صوت المؤذن ينبعث من الأفق من فوق المئذنة، شعرت بأنه صوت الله، الذي يفصل بين الحق والباطل والحلال والحرام، ويهدي الإنسان إلى الطريق المستقيم، وأركب السيارة في السفر وعلى الطريق بين الحقول وبين الفضاء تقع عيني على رجل متواضع يقف بين يدي الله في ثياب رثة مهلهلة، يقف على مصلى صغير، مفروش بالرقيق من الحصير على شاطئ ترعة متواضعة أيضا، يقف الرجل يصلي لله في خشوع وابتهال، فكانت نفسي تهفو إلى أن أصلي مثل صلاته، كنت أعتقد أن هذه نفحات الله في الأرض يلقيها في نفوس عباده الصالحين".حرر الإسلام العبادة من القيود المكانية المتزمتة، ولم يشترط المكان الخاص في عبادة من عباداته إلا في الحج، لما فيه من فوائد تفوق فائدة التحرر من المكان، من التجمع العالمي للمسلمين حول أول بيت وضع للناس، وفي أرض الذكريات الإبراهيمية، والذكريات المحمدية، إلى آخر ما سنذكر في أسرار الحج.

تحرير الضمير من قيود الوساطة في العبادة

ومع اشتراط المكان لعبادة الحج، فليس فيه أي شائبة لتأثير الكهنوت، وليس فيه أي ثغرة لتدخل الوسطاء والكهان بين المسلم وبين الله، وشأنه في ذلك شأنه في سائر عبادات الإسلام.

يقول الأستاذ العقاد: إن عبادات الإسلام قد امتازت بين عبادات الأديان بمزية لا نظير لها، فهي أرفعها وأرقاها بالنظر إلى حقيقتها، أو بالنظر إلى جماهير المتدينين بها، وتلك مزيته البينة التي يرعى بها استقلال الفرد في مسائل الضمير خير رعاية تتحقق لها في نظام حياة.

فالعبادات الإسلامية بأجمعها تكليف لضمير الإنسان وحده، لا يتوقف على توسيط هيكل أو تقريب كهانة. يصلي حيث أدركه موعد الصلاة، وأينما تكونوا فثم وجه الله. ويصوم ويفطر في داره أو في موطن عمله. ويحج ليذهب إلى بيت لا سلطان فيه لأصحاب سدانة، ولا حق عنده لأحد في قربانه، غير حق المساكين والمعوزين. ويذهب إلى صلاة الجماعة، فلا تتقيد صلاته الجامعة بمراسم كهانة أو إتاوة محراب، ويؤمه في هذه الصلاة الجامعة من هو أهل للإمامة بين الحاضرين باختيارهم لساعتهم إن لم يكن معروفا عندهم قبل ذلك، إنه الدين الذي نتعلم فيه أن الإنسان مخلوق مكلف، لا جرم تقوم عباداته على رعاية حق الضمير واستقلاله بمشيئته أكرم رعاية".إن عقيدة المسلم في الله لا تتيح مكانا لأولئك الوسطاء الذين يتحكمون في ضمائر عباد الله. فاعتقاد المسلم في الله يقوم على حقيقتين:

الله فوق عباده

أولاهما: أنه تعالى فوق عباده علوا وقهرا، وسلطانا وتصرفا، لا يشبهه شيء، ولا يحكم عليه شيء، ولا يقع في ملكه إلا ما يريد. (وهو القاهر فوق عباده، وهو الحكيم الخبير) (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) (قل هو الله أحد الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) (والخلق جميعا عبيد في قضبته، لا يملكون لأنفسهم ـ فضلا عن غيرهم ـ ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا).ويتمثل هذا العلو الإلهي على الخلق في آية من القرآن عرفت عند المسلمين بآية الكرسي: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض، من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه؟ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء، وسع كرسيه السموات والأرض، ولا يؤده حفظهما، وهو العلي العظيم).

الله مع عباده

والحقيقة الثانية: أنه تعالى ـ مع عظمته وعلو شأنه ـ قريب من خلقه، بل هو معهم أينما كانوا، في جلوتهم وفي خلوتهم، يسمع ويرى، ويرعى ويهدي، يعطي من سأله، ويجيب من دعاه، فهو تعالى قريب في علوه، علي في دنوه، وقد جمع تعالى بين العظمة والعلو، وبين القرب والدنو، في آية واحدة، فقال تعالى: (هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، وهو معكم أينما كنتم والله بما تعلمون بصير).وقد عبر القرآن على لسان إبراهيم ـ أبي الأنبياء ـ عن العلاقة بين الإنسان والله فقال: (الذي خلقني فهو يدين، والذي هو يطعمني ويسقين، وإذا مرضت فهو يشفين، والذي يميتني ثم يحيين، والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين).وقال الله سبحانه مبينا قربه من عبده: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير