تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أقرب إليه من حبل الوريد) (ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون).وروى المفسرون أن رجلا جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه، فنزل القرآن يجيب عن هذا السؤال بهذه الآية الكريمة: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان).وإن اللطائف في هذه الآية: أن سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم عن بعض الأمور قد وقع في القرآن بضع عشرة مرة، وكان كل جواب عن تلك الأسئلة مقترنا بكلمة (قل) مثل ـ (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت) (يسألونك ماذا ينفقون قل العفو) وكان مقتضى تلك الآيات أن يقال في هذه: وإذا سألك عبادي فقل: إني قريب، ولكن أسلوب الآية خالف المعتاد ولم يأمر الله رسوله أن يقول للناس ذلك، وقال سبحانه مباشرة (فإني قريب) ولهذا الأسلوب دلالته وإيحاؤه في الأنفس والعقول، إذ لم يجعل الله واسطة بينه وبين عباده، كأنه قال لرسوله لا تبلغهم أنت عني، كما تبلغ في أسئلة الأحكام، ولكن دعني أنا أقول لهم: إني قريب! ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يجهرون بالدعاء قال لهم: "اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ولكن تدعون سميعا قريبا".

لا مكان للوسطاء في الإسلام

وبهاتين الحقيقتين: أنه تعالى فوق عباده قهرا وعلوا وسلطانا، وأنه قريب منهم، بل معهم، علما وإحاطة، ورعاية وإجابة ـ يتبين لنا أن لا مكان في الإسلام للوسطاء والسماسرة الذين يدعون الشفاعة عند الله، ويزعمون احتكار الوساطة لديه، ويبيعون ويشترون في خلق الله، كما يصنع أنصار الملوك الجبارين، والرؤساء المستبدين. نعم: لا مكان لهؤلاء، لأن الله في عقيدة الإسلام أجل وأعلى من أن يكون له وسطاء أو شفعاء يعلمونه من أمر الناس بما لم يكن يعلم، أو يوجهون إراداته إلى ما لم يكن يريد، وهو سبحانه أكرم من أن يدع رحمته وجنته غنيمة لهؤلاء الدجاجلة المضللين، يوزعونها بالأسهم والقراريط، فله وحده الخلق والأمر، وله وحده الملك والملك، وله وحده العقوبة والعفو، وقد قال تعالى ردا على من زعم أن الملائكة أبناء الله: (بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون).ورد على من زعم من اليهود والنصارى: أن لهم منزلة خاصة من الله (وقالت اليهود والنصارى: نحن أبناء الله وأحباؤه قل: فلم يعذبكم بذنوبكم؟ بل أنتم بشر ممن خلق، يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير).وحكى عن المسيح أنه يقول لربه يوم القيامة في شأن من ادعوا الانتساب إلى دينه: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم).وعرف خاتم رسله محمدا حدود وظيفته فقال: (فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر) (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير، وما مسني السوء، إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون).فهل بعد هذا يمكن أن يعتقد المسلم في وجود "وسيط" يملك "التأثير" في إرادة الله رب العالمين؟! ثم لا مكان لهؤلاء الوسطاء أيضا، لأن المسلم لا يشعر يوما بحاجته إلى أحد منهم في الصلة بينه وبين ربه. إنه يوقن أن الله أقرب إليه من نفسه، وأنه معه حيث كان، وأنه يدنو منه كل ليلة فينادي: هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من كذا؟ هل من كذا؟ وأنه تعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين، وأنه تعالى إذا تقرب عبده إليه شبرا تقرب هو إليه ذراعا، وإذا تقرب إليه ذراعا، تقرب سبحانه إليه باعا. إنه يستطيع أن يكلم ربه بلا ترجمان، وأن يناجيه بما شاء حيث شاء ومتى شاء، وأن يقف بين يديه بلا حجاب. فما حاجته إذا إلى الوسيط المزعوم؟ إن الوسيط الفذ الذي يعترف به الإسلام هو العمل الصالح مع الإيمان: (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا، ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا).

إخلاص القلوب أساس القبول

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير