ولذا كان معاذ بن جبل يكره أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث (48) وكان ابن مسعود يقول: (اقرؤوا القرآن في سبع ولا تقرؤوه في أقل من ثلاث) (49).
والحكمة - والله أعلم - في عدم مشروعية قراءته في أقل من ثلاث أن لا تؤدي سرعة القراءة إلى قلة الفهم والتدبر أو الملل والتضجر أو الهذرمة وعدم إتقان النطق، وما ثبت عن السلف من قراءته في أقل من ذلك فهو محمول إما على أنه لم يبلغهم في ذلك حديث من مثل الحديث السابق، أو أنهم كانوا يفهمون ويتفكرون فيما يقرءونه مع هذه السرعة (50)، أو أن ذلك كان في فترة حماس وكثرة نشاط أو وقت فاضل كرمضان ونحوه فأرادوا استغلاله لا أن يكون ذلك عادة لهم في سائر العمر.
وأما أوسع زمن جاءت النصوص مبينة مشروعية قراءة القرآن فيه فأربعون يوماً كما ورد فى حديث عبد الله بن عمرو أنه سأل النبي-صلى الله عليه وسلم-: في كم يقرأ القرآن؟ قال: (فى أربعين) (51)، ولذا قال إسحاق بن راهويه: (ولا نحب للرجل أن يأتي عليه أكثر من أربعين ولم يقرأ القرآن لهذا الحديث) (52)، وقال أيضاً: (يكره للرجل أن يمر عليه أربعون يوماً لا يقرأ فيها القرآن) (53).
5 - نسيان القرآن سببه الذنوب والمعاصي:
جاءت الكثير من النصوص التي تجعل ذنوب العبد سبباً لما يصيبه من مصائب وبلايا والتي من أعظمها ولا شك نسيان القرآن الكريم، ومما جاء في ذلك قوله-صلى الله عليه وسلم-: (لا يصيب عبداً نكبة فما فوقها أو دونها إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر) (54)، وقد كان هذا الأمر جلياً في أذهان السلف، ولذا قال الضحاك مزاحم: (ما من أحد تعلم القرآن فنسيه إلا بذنب يحدثه لأن الله تعالى يقول: ((وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم)) (55)، وإن نسيان القرآن من أعظم المصائب) (56)، بل إنهم - رحمهم الله تعالى- كانوا يقفون موقفاً صارماً ممن هذه حاله كما جاء من طريق ابن سيرين بإسناد صحيح في الذي ينسى القرآن كيف أنهم كانوا يكرهونه ويقولون فيه قولاً شديداً (57)، وقد ذكر القرطبي - رحمه الله - سبب تلك الكراهية وذلك الموقف الشديد فقال: (من حفظ القرآن أو بعضه فقد علت رتبته بالنسبة إلى من لم يحفظه، فإذا أخل بهذه المرتبة الدينية حتى تزحزح عنها ناسب أن يعاقب على ذلك، فإن تَرْك معاهدة القرآن يفضي إلى الرجوع إلى الجهل والرجوع إلى الجهل بعد العلم شديد) (58).
بل إن بعضهم يعده ذنباً كما روى أبو العالية عن أنس موقوفاً (كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه) (59).
قال ابن كثير - رحمه الله -:"وقد أدخل بعض المفسرين هذا المعنى في قوله تعالى ((ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى)) (60)، وهذا الذي قاله وإن لم يكن هو المراد جميعه فهو بعضه، فإن الإعراض عن تلاوة القرآن، وتعريضه للنسيان، وعدم الاعتناء به فيه تهاون كبير وتفريط شديد نعوذ بالله منه" (61).
6 - كيف تكون المراجعة؟
لا شك أن الطريقة الأسلم للمراجعة هي تخصيص وقت كاف غير وقت الحفظ يقرأ فيه المرء ما يفتح الله تعالى عليه فيه، ولكن نظراً لعدم قدرة كثير من الناس على تخصيص وقت معين لذلك فيمكن استخدام الطرق التالية:
(أ) - القراءة في السنن الرواتب غير راتبة الفجر تكون خمسة أثمان، في كل ركعتين ثمن.
- في ركعتي ما قبل العصر تكون ثمناً واحداً.
- في الصلوات المفروضة وقيام الليل تكون ثمنين.
وعلى هذا فالحد الأدنى في اليوم الواحد يكون جزءاً كاملاً من القرآن الكريم.
(ب) القراءة في الصلاة النافلة من غير الرواتب، وفي السيارة،. وبين الأذان والإقامة وأثناء الذهاب للدراسة أو العمل والعودة من ذلك ... إلخ من حالات الإنسان المناسبة.
(جـ) الجلوس بعد الفجر ولو قليلاً للقراءة بحيث يلزم الإنسان نفسه أن يقرأ في ذلك الوقت شيئاً من القرآن الكريم ولو ثمناً واحداً.
(د) يمكن لأصحاب الهمم العالية استخدام طريقة (فمي مشوق) وهي طريقة كان يستخدمها بعض مشايخ الإقراء في أرض الكنانة بحيث أن الحافظ يستطيع مراجعة القرآن كاملاً في أسبوع واحد وبيانها كالتالي:
- الفاء من (فمي مشوق) للفاتحة والميم للمائدة والياء ليونس والميم لمريم والشين للشعراء والواو للصافات والقاف لسورة ق.
- فيكون المقدار في اليوم الأول من أول (الفاتحة) إلى أول (المائدة).
- وفي اليوم الثاني من أول (المائدة) إلى أول (يونس)
- وفي اليوم الثالث من أول (يونس) إلى أول (مريم).
- وفي اليوم الرابع من أول (مريم) إلى أول (الشعراء).
- وفي اليوم الخامس من أول (الشعراء) إلى أول (الصافات).
- وفي اليوم السادس من أول (الصافات) إلى أول (ق).
- وفي اليوم السابع من أول، (ق) إلى آخر المصحف الشريف.
(هـ) على من حفظ شيئاً من القرآن الكريم دون عشرة أجزاء أن لا يمر عليه خمسة عشر يوماً دون إتمام مراجعته.
والله نسأل للجميع التوفيق والسداد.
المصدر: موقع صيد الفوائد
¥