تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أتَوْا فى سيناء على قوم يعكفون على أصنام لهم حتى صاحوا بنبيّهم قائلين: "يا موسى، اجعلْ لنا إلهًا كما لهم آلهة. قال: إنكم قوم تجهلون* إن هؤلاء مُتَبَّرٌ ما هم فيه، وباطلٌ ما كانوا يعملون" (الأعراف/ 139ـ 140). كذلك أذكر أنه كانت لجيراننا بنتٌ حلوةٌ جدا حباها الله شعرًا وَحْفًا ناعمًا جميلاً يصل إلى خَصْرها ويضفى عليها مزيدا من الفتنة والبهاء، لكنها بنَزَقها وقلة عقلها أبت إلا أن تقصّه آلاجَرْسُون تقليدا لصديقة لها شعرُها شائك كالليفة الجديدة ظلت تزنّ عليها وتغريها بذلك غيرةً من شعرها الفاتن الجميل. وعبثا حاولت أمها أن تبصّرها بسوء رأيها، فقد كانت، كما قلت، قليلة العقل عنيدة. ثم رأيناها بعد أن نالت مرادها وقد فقدت شيئا كثيرا من حلاوتها وفتنتها. ولكنْ على من تقرأ مزاميرَك يا داود؟

ومن بين ما أخذه المؤلف على الفصحى وجودُ التثنية فيها. ولست فى الحق أدرى كيف يمكن أن تكون هذه السمة مَعَابة تؤخذ على لغة القرآن، إذ هى دليل على الدقة، فبدلا من أن تتعامل مع ما يزيد على واحد نفس المعاملة نراها تفرق بين الاثنين وما هو أكبر من ذلك. والأستاذ المؤلف يتخذ من اللغات الأوربية هنا أيضا معيارا يعاير به لغتنا، ناسيا أن لكل لسان شخصيته وأوضاعه، فضلا عن أن الحياة ذاتها قد أفردت المثنى بوضع خاص، فالكون كله قائم على التقابلات الثنائية: فاليمين يقابله الشمال، والأعلى يقابله الأسفل، والأمام يقابله الوراء، والذكر تقابله الأنثى، والسماء تقابلها الأرض، والجنة تقابلها النار، والماضى يقابله المستقبل، والبحر يقابله البر…وهكذا. وفى الإنجليزية ما زالت هناك كلمة " both: كلاهما" فى مقابل " all: كلّهم"، وكذلك عبارة " one another: كلاهما الآخر" فى مقابل " each other: كل منهم الآخر"، وهو أمر له دلالته التى لا ينبغى أن تفوتنا. سيقول الأستاذ: لكن الطلبة يضيقون بهذا، فأقول له: ليس للكسالى الحق فى فرض كسلهم على الحياة. إن سقوط الهمة والكسل مسؤولان عن الكوارث المتلاحقة التى تنزل على رؤوسنا منذ قرون، ولا تكاد تترك لنا فرصة لنتنفس ونقبّ على وجه الدنيا. كفانا بلادة وجمود‍‍‍! ولنكن، ولو مرة واحدة، كأجدادنا الذين فتحوا العالم، وليس فى أيديهم غير هذه اللغةِ التى لا تعجب البعضَ والكِتَابِ الذى نزل بها، والذى لا يستطيع أقوام أن يناموا ملء أعينهم رغم كل ما فى أيديهم من سلطان وثروة وقوة وجبروت ما دام هناك من يقرؤه ويؤمن به! أما مبدأ "كله عند العرب صابون" فلا محل له من الإعراب. وهنا ينبغى أن نشير إلى ما جاء فى نهاية كلام المؤلف حول هذه القضية من أن اللهجات العامية قد تخلصت من المثنى تلقائيا وأصبح الاثنان جمعا كما يقتضى المنطق (ص 174). فأما أن المنطق يقتضى هذا فغير صحيح كما سبق أن وضحنا، وأما أن العاميات قد تخلصت من المثنى، فإن كان المقصود أنها تخلصت منه تماما فهذا لم يحدث، إذ ما زلنا نقول فى لغتنا اليومية: ولدين وبنتين وكتابين وورقتين وأستاذين ومدرّستين ... إلخ، لكنه صحيح فى مجال الضمائر رغم ذلك.

وقد حاول مقدم البرنامج التلفازى الذى نوقش فيه كتاب الأستاذ المؤلف أن يسوّغ ما نادى به من معاملة المثنى معاملة الجمع، فاستشهد بقوله تعالى: "وداودَ وسليمانَ إذ يحكُمان فى الحرث إذ نَفَشَتْ فيه غنمُ القوم، وكنا لحكمهم شاهدين" (الأنبياء/ 78)، وبقول أمير الشعراء مخاطبًا النبى عليه السلام:

فإذا رَحِمْتَ فأنتَ أُمٌّ أو أبٌ هذان فى الدنيا هما الرُّحَماءُ

حيث استعمل القرآن ضمير الجمع فى كلمة: "حكمهم" لداود وسليمان، وهما اثنان فقط، واستخدم شوقى صيغة الجمع: "الرحماء" فى وصف الوالدين، وهما اثنان أيضا فقط. وكان جوابى أن ذلك ليس بلازم، فكلمة "حكمهم" يدخل فيها أيضا "القوم" الذين احتكموا إلى النبيين الكريمين، ومن ثم يكون ضمير الجمع عائدا على أكثر من اثنين: داود وسليمان وأولئك القوم. كما أن فى بيت شوقى غرضا بلاغيا مؤدّاه أن رحمة الأبوين هى الرحمة الحقيقية أو تَعْدِل جميع الرحمة الموجودة فى العالم، فكأنهما كل الرحماء فى الدنيا. أى أن الكلام هنا على المجاز لا على الحقيقة. ويمكن أن أزيد أيضا بعض ما أورده المرحوم محمد خليفة التونسى فى كتابه "أضواء على لغتنا السمحة" (كتاب العربى/ 15 أكتوبر 1985م/ 32ــ 35، 178ــ 180) من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير