تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثانيها: العلم، فينبغي أن يكون الآمر والناهي عالماً بما يأمر به وما ينهى عنه، قال النووي رحمه الله: "إنما يأمر وينهى من كان عالماً بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشيء؛ فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنى والخمر ونحوها فكل المسلمين علماء بها، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخلٌ فيه، ولا لهم إنكاره، بل ذلك للعلماء". لكن مما ينبغي أن تعلمه أنه لا يشترط أن تكون عالماً فقيهاً، بل يكفي أن تعلم أن هذا منكر فتنكره، وأن هذا من المعروف فتأمر به.

ثالثاً: الصبر، وهو سلاح ينبغي أن لا ينفك من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فلا بد أن يناله من أذى الناس وسخريتهم وصدودهم ما يحتاج معه إلى صبر يوطنه على مواصلة الطريق، وانظر إلى وصية لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (17) سورة لقمان، وقال العارفون: "من وطّنَ نفسه على الأذى وأيقن بثواب الله لم يجد مسَّ الأذى".

نعم فكثير من الناس تكره من يقطع شهوتها ويُكدر لذاتها حتى وإن كانت محرمة، فلا يأسفن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر على من هجره وقلاه، ولا يحزنن على من فارقه وجفاه، فتالله إنه بهذا يقطع أطماعه في الخلق ليصير تعلقه برب الخلق.

ومما هو متعلق بما قبله الحلم، فالصبر والحلم وصفان متلازمان، فإن لم يكن الآمر والناهي ذا حلم فالغالب أن الناس لا تقبل منه. ويا لله، انظر لما في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود قال: كأني أنظر إلى رسول الله يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عنه وعن وجهه ويقول: "رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".

رابعاً: الرفق، وصدق: "ومن يحرم الرفق يحرم الخير كله". قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والرفق سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهذا قيل: ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف ونهيك عنك المنكر غير منكر". وشتان شتان بين من لا يملك أصحاب المنكر إلا الاستجابة العاجلة له لحسن أسلوبه ورفقه وحلمه، وبين من يزيد النار اشتعالاً بشدته وفظاظة أسلوبه. لكن مما ينبغي أن يُعلم أن الحاجة قد تدعو للعنف والشدة أحياناً، ذلك بحسب المنكر وصاحبه، كما بين الأب وابنه، والمعلم وتلميذه ونحو ذلك.

خامساً: البدء بالأهم وتقديمه على غيره حسب ما تقتضيه المصلحة.

والتدرج بالناس على طريق الخير واستلال الشر من نفوسهم أدب شرعي عظيم امتثله الأنبياء مع أقوامهم، فبدؤوا بالتوحيد وما بعده وهكذا، وكذلك رسل الأنبياء، وليست قصة معاذ وإرسال الرسول إياه إلى اليمن والتدرج مع الناس هناك عنا ببعيد، فالمنكرات لا سيما في زماننا هذا منتشرة، فهناك ما هو منها أشد نكارة من بعضها الآخر، فيبدأ بالأشد وهكذا.

سادساً: مراعاة المصالح والمفاسد؛ بأن لا يترتب على الإنكار منكر آخر أكبر وأوسع انتشاراً من الأول، ومن هذا الفقه كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يفتي بعدم الإنكار على التتار لشربهم الخمر؛ لأنهم إذا أفاقوا واستقامت لهم عقولهم التفتوا إلى المسلمين يقتلون ويفسدون، وفي هذا يحسن الرجوع إلى أهل العلم العارفين، فهم أولى الناس بتقدير المصالح والمفاسد.

سابعاً: يجملُ بالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر إيجاد البديل عن المنكر، فالنفس قد تكون متعلقة بهذا المنكر إلى حدٍ لا يمكن أن تنفك عنه، فالعوض هنا والبدل مما يساعد على التخفف من المنكر، وهذا منهج رباني وأسلوبٌ نبوي، ومن ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا} (104) سورة البقرة وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في معرض كلامه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "فلا يُنهى عن منكرٍٍ إلا ويؤمر بمعروف يُغني عنه، كما يؤمر بعبادة الله سبحانه وتعالى، ويُنهى عن عبادة ما سواه". فصاحب الأغاني لو استبدلته ذلك بأشرطة القرآن المرتلة ترتيلاً جيداً، وصاحب النظرات المحرمة لو دللته على الزواج وحاولت أن تعينه على ذلك، وهلم جرا.

بلد التوحيد

ويقول الشيخ عبد المحسن بن عبدالرحمن القاضي إمام وخطيب جامع السلام بعنيزة:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير