تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لنا مع هذه الشعيرة عدد من الوقفات:

الأولى: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة تعبد الله بها المؤمنين، وأمر بها المسلمين، فقال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (104) سورة آل عمران، فكل مؤمن ومؤمنة مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ومن هذا يتضح أن هذه الشعيرة يحتاجها كل أحد؛ يحتاجها المرء مع نفسه، والرجل مع أولاده وأهله، والمدرس مع طلابه، والأمير مع رعيته، والرعية مع حكامها، ويحتاجها كل صاحب مسؤولية في مسؤوليته، أعاننا الله وإياكم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الثانية: إن هذه الشعيرة لما كانت تحول بين الناس وشهواتهم ورغباتهم التي يزينها لهم شياطين الإنس والجن، فإنها تلقى من كثير من الناس تنقصاً وهمزاً ولمزاً، ونقداً مجحفاً أو باطلاً، ينصب غالباً على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وعلى هيئاته الخاصة به.

وهؤلاء الناقدون والمتكلمون في الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أحد صنفين:

صنف مردت قلوبهم على الذنوب والمعاصي، وعششت الشهوات في قلوبهم، وأشربت حب الفساد، فهم سماسرة الفساد وأربابه، لا يعيشون إلا به، فهؤلاء لا غرابة في حقدهم وحنقهم، ووقيعتهم في الآمرين بالمعروف والناهيين عن المنكر، فإنهم شَجَا حلوقهم، ونكد عيشهم، فهم يتربصون بأهل الحسبة الدوائر، يلتقطون السقطة، ويضخمون الهفوة، ويجعلون من الحبة قبة، فهؤلاء لا حيلة لنا فيهم إلا أن نقول كما قال الله تعالى لأسلافهم: (قٍلً مٍوتٍوا بٌغّيًظٌكٍمً) آل عمران: 119

الصنف الثاني: قوم فيهم خير وصلاح، وحب لأهل الإصلاح، إلا أنهم يصغون لتشويه أهل الريب والفساد، وينصتون لوقيعة أهل المعصية والنفاق، وما ينشرون عن أهل الحسبة من الإشاعات والمبالغات، كما قال الله تعالى: (وّفٌيكٍمً سّمَّاعٍونّ لّهٍمً) التوبة: 47 فضلاً عن أن يكون قد حصل لبعضهم موقف مع أهل الحسبة، يجعله مبرراً لوقيعته، وشاهداً لسماعه، فهؤلاء ليس لنا معهم قضية، إلا أننا نذكرهم بالله الذي رضوا به رباً، وبرسوله نبياً، وبإسلامه ديناً، ونقول لهم: أيها المؤمنون، إياكم أن تكونوا أعواناً لأهل الفساد والنفاق على إخوانكم، فأهل الحسبة إخوانكم، وإن بغى بعضهم عليكم، فانصحوا لهم بالحسنى، وبيِّنوا أخطاءهم بالمعروف، وإياكم والتشهير والتعميم والمبالغة، ولا تنسوا في غمرة ذلك حاجة الأمة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك من محاسن القوم. فوالله، وبالله، وتالله، إنهم لمما يحفظ الله به العباد والبلاد، فكم من شر قد ردوه، وكم من عرض حفظوه، وكم من شباب عن الضلال حجبوه، وكم من مفسد مخرب قد فضحوه وكشفوه.

فالآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر حراس الدين وحماته، عن الدين ينافحون، ودونه يجاهدون، ينفون فساد المفسدين، ويبطلون سعي المخربين، فجزاهم الله خير ما جزى عباده المؤمنين.

رسالة الخير

ويقول الشيخ فيصل بن عبد الرحمن الشدي إمام جامع العز بن عبد السلام * الخرج: لا يشك شاك أن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هم رسلُ الخير ودعاة الحق ونورٌ في دياجير الظلم، لكم سارت الأمة على نورهم، واهتدت بكلامهم وتعليمهم، لذا حري بأولئك الذين هم محط أنظار المجتمع وأمل الأمة أن يتحلوا في أمرهم ونهيهم بآداب عظيمة وصفات جليلة، ألا إن من أبرزها الإخلاص، فهو مفتاح القبول وطريق التأييد والتسديد من العزيز الحميد، فلا يأمر الآمر أو ينهى الناهي ليُحسب في الآمرين، أو ليصل بذلك إلى مالٍ أو رتبة أو جاه ونحوها من أعراض الدنيا الزائلة، وفي هذا ملحظٌ خفي دقيق أن الآمر والناهي إذا رُدَّ عليه أمره أو انتقص في كلامه أو أوذي فقد ينتصر لنفسه، وهذا مذهبٌ للإخلاص، عن أرطاة بن المنذر قال: "المؤمن لا ينتصر لنفسه، يمنعه من ذلك القرآن والسنة، فهو ملجم".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير