تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فقياس الأولى هنا: صحيح، إذ كل كمال مطلق لا يتطرق إليه النقص من أي وجه من الأوجه وصف به المخلوق، فالخالق، عز وجل، أولى به، لأن واهب الكمال أحق به، بشرط أن يرد النص بإثبات هذا الكمال، لأن الباب، كما تقدم أكثر من مرة: غيبي محض.

وقد انطلت على القوم شبهة النصارى في مسألة تعدد القدماء فقاسوا الصفات على الأقانيم، وهو قياس مع الفارق، لأن الصفات، كما تقدم، لا قيام لها إلا بالذات، بينما الأقانيم: أعيان قائمة بنفسها، فلو كانت أزلية، كما يزعم النصارى، للزم من ذلك تعدد القدماء، وهذا إلزام صحيح في الأقانيم لا الصفات، فتسوية هذه بتلك: تسوية بين مختلفين.

ثانيا: وهو متفرع على الوجه الأول: وهو أن أسماء الله، عز وجل، متكافئة، بمعنى أنها متباينة من جهة، مترادفة من جهة أخرى، فهي متباينة من جهة ما تضمنته من معان، فالمعنى الذي تضمنه اسم الحي، غير المعنى الذي تضمنه اسم القيوم، غير المعنى الذي تضمنه اسم القدير ................ إلخ، مترادفة من جهة دلالتها على مسمى واحد هو: الله، عز وجل، فلها دلالتان: دلالة اسمية ودلالة وصفية لا تنفك عن الدلالة الاسمية.

بينما أسماء البشر، لا يتحقق فيها التكافؤ تحققه في أسماء الباري، عز وجل، نعم قد يطلق على الشخص أكثر من اسم متضمن لمعان حسان، إشارة إلى كثرة خلاله الحميدة، ولكن لا يلزم من ذلك: أن تكون معان هذه الأسماء أو الألقاب قائمة به، إذ تخلفها عنه أمر جائز، فقد يكون كريما فيجد عليه بخل يزيل عنه صفة الكرم، وقد يكون شجاعا فيجد عليه جبن يزيل عنه صفة الشجاعة .................. إلخ، فاتصافه بمعانيها جائز، بينما اتصاف الباري، عز وجل، بما تضمنته أسماؤه من معاني الكمال المطلق: واجب.

ثالثا: أن صفات الباري، عز وجل، كاملة من الأزل، فلم يستفد، جل وعلا، كمالا كان معطلا عنه، وإنما له الكمال المطلق الأزلي، فأفعاله صادرة عن كماله، خلاف المخلوق الذي يستفيد الكمال من أفعاله، وبهذا تزول شبهة المتكلمين في نفي صفات المشيئة بحجة أنها تستلزم الحدوث بعد العدم، والكمال بعد النقص، وما ذلك إلا نتيجة من نتائج قياسهم الفاسد، فهم شبهوا أولا لما وقعوا في قياس الشمول: فكل من اتصف بصفة فعل، لزم من ذلك أنه كان معطلا عنها، فهي حادثة في حقه، يكتسب بها كمالا كان معطلا عنه، وهذا إن جاز في حق المخلوق الناقص إلا أنه ممتنع في حق الخالق الكامل، لأن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، والله، عز وجل، قد أخبرنا أنه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، فليس كمثله شيء في ذاته أو أسمائه أو صفاته أو أفعاله، فلا يقاس على خلقه قياس تمثيل أو شمول، وإنما القياس الوحيد الجائز في حقه هو: قياس الأولى في الكمالات المطلقة التي لا يلحقها النقص بأي وجه من الأوجه، مع التزام نصوص الوحي: إثباتا ونفيا، لأن الباب توقيفي لا اجتهاد فيه، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

وكثير من الأسماء المشتهرة على الألسن هي في حقيقتها: أوصاف وأفعال، وليست من الأسماء الحسنى، كـ: المعز والمذل والخافض والمبدئ والمعيد والضار والنافع والمميت والباعث والباقي والعدل والمحصي والمقسط والمغني، فهي مشتقة من أفعال وردت في القرآن الكريم، والاشتقاق اللغوي في الأسماء أمر لا يعارضه من له أدنى معرفة بلغة العرب، فلكل اسم أصل اشتق منه، ولكن البحث الآن في: الاشتقاق الشرعي، أي: جواز اشتقاق أسماء لله، عز وجل، من صيغ أفعال وردت في النصوص وفق ضوابط معينة، فهذا هو: محل النزاع في هذه المسألة، وجماهير السلف على منع ذلك، لأن الباب، كما تقدم، توقيفي لا اجتهاد فيه، وخالف بعض العلماء فأجاز ذلك وفق ضوابط معينة.

الشرط الثالث: إطلاق الاسم دون إضافة أو تقييد:

لأن الإضافة والتقييد يحدان من إطلاق الحسن والكمال على قدر ما أضيف إليه الاسم أو قيد به، والله، عز وجل، ذكر أسماءه باللانهائية في الحسن، وهذا يعني الإطلاق التام الذي يتناول جلال الذات والصفات والأفعال.

ولكن ينبغي التفريق هنا بين نوعين من التقييد هما:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير