تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

التقييد العقلي: وهو غير مقصود في هذا الباب، إذ لا تخلو الأسماء الحسنى في أغلبها، لاسيما التي تدل على وصف متعد كـ: "الخالق" و "المصور" و "الرازق" ........ إلخ، لا تخلو من تصور التقييد العقلي بالممكنات وارتباط آثارها بالمخلوقات، فالخالق لابد أن يقيد في الذهن بمخلوق يقع عليه فعل الخلق المتعدي، والمصور لابد أن يقيد في الذهن بمصور، (بفتح الواو)، يقع عليه فعل التصوير، والرازق لابد أن يقيد في الذهن بمرزوق يقع عليه فعل الرزق المتعدي ................ إلخ.

والتقييد اللغوي: وهو المانع من الإطلاق التام في هذا الباب، ويكون بالإضافة الظاهرة، ولو كانت لفظية، كـ: الغافر، والقابل، والشديد، في قوله تعالى: (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ)، فقد قيد لفظ "غافر" بلفظ "الذنب"، وقيد لفظ "قابل" بلفظ "التوب"، وقيد لفظ "شديد" بلفظ "العقاب"، فلا تصح تسمية الله، عز وجل، بـ: الغافر، والقابل، والشديد، وإن صح وصفه بأنه: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، فباب الصفات أوسع من باب الأسماء، إذ كل اسم متضمن لصفة كمال مطلق، ولا عكس، فليس لكل صفة اسم مشتق منها، وإن جاز الاشتقاق، فإنما يجوز لغة لا شرعا، لأن الباب، كما تقدم مرارا، توقيفي لا اجتهاد فيه.

ومن الأمثلة على ذلك أيضا:

قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا)، فقيد "فاطر" بـ "السماوات"، وقيد "جاعل" بـ "الملائكة".

وقوله تعالى: (وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)، فقيد "المستعان" بـ "على ما تصفون"، وعند البخاري من حديث أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، مرفوعا: (افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه، فإذا عثمان، فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله ثم قال: الله المستعان)، فإطلاق لفظ "المستعان" قد يوهم أنه مما يجوز إطلاقه بلا تقييد لغوي، والأمر بخلاف ذلك، لأن قرينة السياق، وهي قرينة لفظية يصح الاحتجاج بها في هذا الباب، تدل على أنه قد قيد بما قاله أبو موسى، رضي الله عنه، آنفا، فتقدير كلام عثمان رضي الله عنه: الله المستعان على ما قلته يا أبا موسى من وقوع البلوى، تماما كما تذكر لصاحبك أمرا تعتزمان القيام به، كسفر أو نحوه، فيجيبك قائلا: الله المستعان، أي: الله المستعان على ما عزمنا عليه من سفر أو نحوه، فالسياق قد قيد كلامك بالأمر السابق على قولك: الله المستعان.

وقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ)، فقيد "صادقون" بدلالة ما سبقه، كما أشار إلى ذلك القرطبي، رحمه الله، بقوله: ("وإنا لصادقون": في إخبارنا عن هؤلاء اليهود عما حرمنا عليهم من اللحوم والشحوم).

"تفسير القرطبي"، (7/ 127).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اللهم اهزم الأحزاب): فقيد "منزل" بـ "الكتاب"، وقيد "سريع" بـ "الحساب".

وقوله صلى الله عليه وسلم في دعاء السفر: (اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل): فقيد "الصاحب" بـ "في السفر"، وقيد "الخليفة" بـ "في الأهل".

وعلى ذلك فالأسماء المقيدة بالإضافة حسنها أن تذكر على ما ورد به نص كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولكنها لا توافق شرط الإطلاق اللازم لإحصاء الأسماء الحسنى، ويجوز الدعاء بها على الوضع الذي قيدت به، فتقول: يا مقلب القلوب، ولا تقل: يا مقلب فقط، ومعلوم:

أن باب الصفات أوسع من باب الأسماء، كما تقدم مرارا، فمن الصفات ما ليس لها أسماء تتضمن معانيها كصفات: الضحك والمجيء والنزول وكلها صفات أفعال فلا يقال بأن من أسماء الله عز وجل: الضاحك والجائي والنازل.

و: باب الأفعال أوسع من باب الصفات.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير