تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و: باب الإخبار أوسع من باب الأفعال: كالإخبار عن الله، عز وجل، بأنه: قديم أو أزلي أو شيء، مصداق قوله تعالى: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ).

الشرط الرابع: دلالة الاسم على الوصف:

وذلك يقتضي أن تكون أسماء أوصاف مشتقة، فخرج بذلك: الأسماء الجامدة، إذ لا مدح فيها، ولا دلالة لها على الثناء، ولذا خالف جمهور أهل السنة: ابن حزم، رحمه الله، لما عد الدهر من أسماء الله، عز وجل، أخذا بظاهر حديث: (وأنا الدهر)، مع أن سياق الخبر: (بيدي الأمر أقلب الليل والنهار) قد دل على المقصود، فالله، عز وجل، هو مقلب الدهر، فكيف يكون هو نفسه الدهر المقلب، (بفتح اللام)، وإنما صح المعنى الذي دل عليه السياق لأنه من باب: إطلاق السبب، وهو الدهر، وإرادة المسبب، (بكسر الباء الأولى): الله تبارك وتعالى.

يقول الحافظ رحمه الله: (وَقَالَ عِيَاض: زَعَمَ بَعْض مَنْ لَا تَحْقِيق لَهُ أَنَّ الدَّهْر مِنْ أَسْمَاء اللَّه، وَهُوَ غَلَط فَإِنَّ الدَّهْر مُدَّة زَمَان الدُّنْيَا، وَعَرَّفَهُ بَعْضهمْ بِأَنَّهُ أَمَد مَفْعُولَات اللَّه فِي الدُّنْيَا أَوْ فِعْله لِمَا قَبْل الْمَوْت، وَقَدْ تَمَسَّكَ الْجَهَلَة مِنْ الدَّهْرِيَّة وَالْمُعَطَّلَة بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيث وَاحْتَجُّوا بِهِ عَلَى مَنْ لَا رُسُوخ لَهُ فِي الْعِلْم؛ لِأَنَّ الدَّهْر عِنْدَهمْ حَرَكَات الْفَلَك وَأَمَد الْعَالَم وَلَا شَيْء عِنْدَهمْ وَلَا صَانِع سِوَاهُ، وَكَفَى فِي الرَّدّ عَلَيْهِمْ قَوْله فِي بَقِيَّة الْحَدِيث " أَنَا الدَّهْر أُقَلِّب لَيْله وَنَهَاره " فَكَيْف يُقَلِّب الشَّيْء نَفْسه؟ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلهمْ عُلُوًّا كَبِيرًا.

وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي جَمْرَة: لَا يَخْفَى أَنَّ مَنْ سَبَّ الصَّنْعَة فَقَدْ سَبَّ صَانِعهَا، فَمَنْ سَبَّ نَفْس اللَّيْل وَالنَّهَار أَقْدَم عَلَى أَمْر عَظِيم بِغَيْرِ مَعْنًى، وَمَنْ سَبَّ مَا يَجْرِي فِيهِمَا مِنْ الْحَوَادِث، وَذَلِكَ هُوَ أَغْلَب مَا يَقَع مِنْ النَّاس، وَهُوَ الَّذِي يُعْطِيه سِيَاق الْحَدِيث حَيْثُ نَفَى عَنْهُمَا التَّأْثِير، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا ذَنْب لَهُمَا فِي ذَلِكَ)

"فتح الباري"، (17/ 380).

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (فأما قوله صلى الله عليه وسلم: "قال الله – عز وجل -: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار". فلا يدل على أن الدهر من أسماء الله تعالى، وذلك أن الذين يسبون الدهر إنما يريدون الزمان الذي هو محل الحوادث، لا يريدون الله تعالى، فيكون معنى قوله: "وأنا الدهر" ما فسره بقوله: "بيدي الأمر أقلب الليل والنهار"، فهو سبحانه خالق الدهر وما فيه، وقد بين أنه يقلب الليل والنهار، وهما الدهر، ولا يمكن أن يكون المقلب (بكسر اللام) هو المقلب (بفتحها) وبهذا تبين أنه يمتنع أن يكون الدهر في هذا الحديث مراداً به الله تعالى).

"القواعد المثلى"، ص9.

ولا يعني القول باشتراط دلالة الاسم على الوصف جواز اجتهاد العبد في اشتقاق الأسماء من صفات الذات والأفعال، لأن الاشتقاق ليس من حق أحد إلا رب العزة والجلال، والمرجعية في ذلك إلى النص الشرعي دون القياس العقلي أو التلاقي اللغوي.

وعلى ذلك فإن الاسم إذا أطلق على الله، عز وجل، جاز أن يشتق منه المصدر والفعل فيخبر عنه فعلا ومصدرا، نحو السميع والبصير والقدير، فيطلق عليه منها: السمع، والبصر، والقدرة، وهي مصادر، ويخبر عنه بالأفعال من ذلك نحو قوله تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)، وقوله تعالى: (فقدرنا فنعم القادرون)، هذا إن كان الفعل متعديا، فإن كان لازما لم يخبر عنه بالفعل، بل يطلق عليه الاسم والمصدر فقط، كاسم الله: الحي، فالحياة: صفة ذاتية معنوية لازمة لا تتعدى لمفعول خلاف: "المحيي"، فهي تتعدى للمفعول بفعل "الإحياء".

انظر، غير مأمور، "القاعدة الثالثة" من "القواعد المثلى"، ص10.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير