ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 09 - 2007, 10:45 م]ـ
وأما أهم القواعد المتعلقة بالصفات فمنها:
القاعدة الأولى:
التوحيد في باب الأسماء والصفات معناه: إفراد الله سبحانه بذاته وصفاته عن الأقيسة والقواعد والقوانين التي تحكم ذوات المخلوقين وصفاتهم وأفعالهم.
بمعنى عدم قياس الخالق، عز وجل، على مخلوقاته: قياس غائب على شاهد، أو قياس تمثيل: يكون الخالق فيه فرعا والمخلوق أصلا، أو: قياس شمول: يندرج فيه الخالق والمخلوق تحت كلي مشترك.
وإنما القياس الجائز في حق الله، عز وجل، هو: قياس الأولى، فكل كمال مطلق، لا يتطرق إليه النقص بأي وجه من الأوجه، يوصف به المخلوق، فالخالق، عز وجل، أولى به.
ودليل ذلك من الكتاب:
قوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، فـ:
"ليس كمثله شيء": نفي لقياسي التمثيل والشمول.
و "وهو السميع البصير": بطريق الأولى، لأنهما صفتا كمال مطلق يوصف بهما المخلوق، فالخالق، عز وجل، أولى بهما، وبكل صفة كمال.
والشيء لا تعرف كيفيته إلا بأحد أمور ثلاثة:
رؤيته، أو: رؤية نظيره، أو: خبر صادق عنه، وثلاثتها مستحيلة في حق الله، عز وجل، في الدنيا، بل إن رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة: رؤية من لا يحيط بالمرئي، تعالى، ربنا، عز وجل، أن يحيط به شيء من مخلوقاته.
ولذا فإنه من السفه نفي صفة الاستواء لله، عز وجل، على سبيل المثال، بدعوى: أنه لو كان على العرش لكان محمولا مفتقرا للعرش الذي استوى عليه، لأن النافي هنا، نفى ما لم يره أصلا، وإنما قاسه قياس شمول فاسد على استواء المخلوق، فنفى نتيجة هذا القياس الفاسد، ونفى معها المعنى الصحيح للصفة هروبا من نتيجة قياسه الفاسد، ولو تيقن من مقدمة: أن الله، عز وجل، ليس كمثله شيء في ذاته، لأدته إلى نتيجة: أنه ليس كمثله شيء في صفاته، فالكلام على الذات فرع عن الكلام في الذات.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"أما إذا كان هو ليس مماثلا لخلقه بل قد علم أنه الغني عن الخلق وأنه الخالق للعرش ولغيره وأن كل ما سواه مفتقر إليه وهو الغني عن كل ما سواه وهو لم يذكر إلا استواء يخصه لم يذكر استواء يتناول غيره ولا يصلح له - كما لم يذكر في علمه وقدرته ورؤيته وسمعه وخلقه إلا ما يختص به - فكيف يجوز أن يتوهم أنه إذا كان مستويا على العرش كان محتاجا إليه وأنه لو سقط العرش لخر من عليه؟ سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا هل هذا إلا جهل محض وضلال ممن فهم ذلك وتوهمه أو ظنه ظاهر اللفظ ومدلوله أو جوز ذلك على رب العالمين الغني عن الخلق؟.
بل لو قدر أن جاهلا فهم مثل هذا وتوهمه لبين له أن هذا لا يجوز وأنه لم يدل اللفظ عليه أصلا كما لم يدل على نظائره في سائر ما وصف به الرب نفسه. فلما قال سبحانه وتعالى: {والسماء بنيناها بأيد} فهل يتوهم متوهم أن بناءه مثل بناء الآدمي المحتاج الذي يحتاج إلى زنبيل ومجارف وضرب لبن وجبل طين وأعوان؟ "
والنصوص التي تدل على المخلوق الناقص الفاني تليق به، والنصوص التي تدل على الخالق، الكامل الأزلي، تليق به، فالاشتراك في المعنى الكلي الذي لا يوجد في الأعيان، وإنما محله الأذهان فقط، لا يلزم منه تماثل، فالمقيد بحسب قيده، فوجود المخلوق مقيد بأنه مسبوق بعدم، متبوع بفناء، يتخلله نقص وعوز وافتقار لما يقيمه، ووجود الخالق مقيد بأنه أزلي لم يسبق بعدم، أبدي لا يلحقه فناء، ولا يتخلله نقص ولا عوز ولا افتقار بل كل ما سواه مفتقر إليه ليمده بأسباب البقاء، فهو، سبحانه وتعالى، الغني عن خلقه، المقيم لهم، فكل الكائنات باقية بإبقائه لها، فلا استقلال لها بالبقاء.
ونصوص الصفات، معلومة المعنى، وإن خفي معنى بعضها على بعض الناس، متشابهة الكيفية، فلا يعلم تأويل كيفيتها إلا الله، عز وجل، فهي فرع عن الذات الإلهية المتصفة بها، فكما أنه ليس كمثله شيء في ذاته، فكذا: ليس كمثله شيء في أسمائه وصفاته وأفعاله، فلا يقاس على خلقه، إلا قياس أولى، كما تقدم.
وقد ضرب شيخ الإسلام، رحمه الله، في "التدمرية" مثلين لهذه المسألة هما:
¥