معاني التأويل، فله ثلاثة معان:
الأول: حقيقة الشيء، أو: الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، كما في:
قوله تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ)، فتأويله: هو وقوعه يوم القيامة حيث لا ينفع ندم.
وتأويل الأمر: الامتثال، وتأويل النهي: الاجتناب، ومنه حديث عائشة، رضي الله عنها، عند البخاري (775): كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ.
والثاني: التفسير، أي: تفسير اللفظ كما استعملته العرب في كلامها، وعليه يحمل كلام ابن عباس، رضي الله عنهما، إذ يقول: "أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله"، أي: يعلمون تفسيره، وقول ابن جرير، رحمه الله، في تفسيره: القول في تأويل قوله: ............... ، أي: تفسير قوله ......
والثالث: وهو اصطلاح كثير من المتأخرين المتكلمين في الفقه وأصوله: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن به.
وهذا التعريف إنما يصح إذا كانت القرينة معتبرة، وهي القرينة السياقية التي يدل عليها سياق النص، فهي: سمعية بالدرجة الأولى، لا عقلية لا سند لها، كما هو حال غالب تأويلات المتأخرين لاسيما: في باب الصفات، إذ يؤول المتكلمون صفات الله، عز وجل، تبعا لأهوائهم، فالاستواء عندهم هو: الاستيلاء، فإذا ما طولبوا بالقرينة الصارفة، قالوا:
قد استوى بشر على العراق ******* من غير سيف ودم مهراق.
فتركوا الاستدلال بأحاديث الآحاد كلها في باب العقائد بزعم أنها تفيد الظن، والعقائد إنما تؤخذ من القطعيات، ثم راحوا يستدلون ببيت شعر لشاعر مولد!!!!.
يقول ابن القيم رحمه الله:
"وقال بعضهم: استوى بمعنى استولى، قال الشاعر:
قد استوى بشر على العرق ******* من غير سيف ودم مهراق
والاستيلاء لا يوصف به إلا من قدر على الشيء بعد العجز عنه والله تعالى لم يزل قادرا على الأشياء ومستوليا عليها ألا ترى أنه لا يوصف بشر بالاستيلاء على العراق وهو عاجز عنه قبل ذلك"
"اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية"، ص107.
ويقول: "فهذا شعر مولد حدث بعد كتاب الله ولم يكن معروفا قبل نزول القرآن ولا في عصر من أنزل عليه القرآن فحملوا لفظ القرآن على الشعر المولد الحادث بعد نزوله ولم يكن من لغة من نزل القرآن عليه".
"الصواعق المرسلة"، (2/ 675)
فالنصوص، كما أشار إلى ذلك، ابن تيمية، رحمه الله، لا تفسر بلغة حادثة، وإنما تفسر بلغة من نزلت عليه.
وأما إذا كانت القرينة معتبرة، فلا إشكال، ومن ذلك:
قوله تعالى: (أتى أمر الله فلا تستعجلوه)، أي: سيأتي، بقرينة: (لا تستعجلوه)، والنهي عن الاستعجال إنما يكون عن الشيء الذي لم يقع بعد، وإنما عبر عنه بصيغة الماضي للتوكيد على وقوعه، فنزل منزلة المتحقق.
يقول ابن كثير رحمه الله:
يخبر تعالى عن اقتراب الساعة ودنوها معبرًا بصيغة الماضي الدال على التحقق والوقوع لا محالة كما قال تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 1]، وقال: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1]. اهـ
&&&&&
القاعدة الثالثة:
الكف عن طلب الكيفية المتعلقة بالحقائق الغيبية:
فصفات الله، عز وجل، معلومة المعنى، مجهولة الكيفية، وعليه يحمل قول السلف: (أمروها كما جاءت، بلا كيف)، ففي هذه العبارة رد على:
المعطلة والمفوضة، بقوله: (أمروها كما جاءت)، أي: كما جاءت موافقة لمعانيها التي تعرفها العرب في كلامها.
والمجسمة والمشبهة بقوله: (بلا كيف)، أي: بنفي علم الكيفية، لا بنفي ذات الكيفية، إذ كيف يؤمر بإمرارها كما جاءت، وهذا مقتض لإثبات معانيها، مع نفي وجود كيفية لها، فإثبات معنى لما لا حقيقة له: تناقض.
محذورات هذه القاعدة:
التفويض: فالسلف فوضوا الكيفية لا المعنى، كما قال مالك رحمه الله: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة).
¥