فالاستواء معلوم المعنى، مجهول الكيفية، ولو كان مالك، رحمه الله، يعني تفويض المعنى لما نفى الكيفية، إذ نفي الكيفية عما لم يعلم معناه لغو من القول.
و: تقديم العقل على النقل: فالعقل فرع عن النقل في هذا الباب، بل وفي كل أبواب الدين، فالنقل قد يأتي بمحارات العقول لا محالاتها، ومجال العقل في إعماله في فهم النصوص، فهو: أصل في العلم بالنقل لا ثبوته.
&&&&&
القاعدة الرابعة:
الإيمان بما جاء في الوحي كله سواء في الأسماء والصفات أو في سائر الموضوعات الأخرى.
وهنا أصلان:
الأصل الأول: القول في الصفات كالقول في الذات، فالله، عز وجل، ليس كمثله شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، كما تقدم مرارا، فالعلم بكيفية الصفة فرع عن العلم بكيفية الموصوف.
والأصل الثاني: القول في الصفات كالقول في بعض، فمن أثبت صفات المعاني لزمه إثبات الصفات الخبرية وصفات الأفعال التي تتعلق بالمشيئة.
محذورات هذه القاعدة:
طريقة المعتزلة في إثبات الأسماء ونفي الصفات:
فقد نفوا الصفات لما دخلت عليهم شبهة: "تعدد القدماء"، فأنزلوا الصفات منزلة الذوات، مع أن الصفات لا تستقل بنفسها، إذ لا قيام لها إلا بذات تتصف بها.
وقد فرقوا بين المتماثلات: فأثبتوا الأسماء التي جاءت بها النصوص، ونفوا صفات الكمال التي تضمنتها، فهي، بزعمهم، أعلام محضة لا تدل على معانيها، فجعلوها من قبيل المترادف من جهة دلالتها على ذات واحدة، والصحيح: أنها مترادفة من هذه الجهة، متباينة من جهة دلالتها على معانيها، فكل اسم يدل على صفة لا يدل عليها الاسم الآخر، وهذا ما يعرف بـ: "التكافؤ اللفظي"، وهو مرتبة بين الترادف والتباين، جامعة لطرف من كليهما.
و: طريقة المتكلمين في إثبات بعض الصفات ورد البعض:
فقد أثبتوا صفات المعاني السبعة، وزاد بعضهم صفة ثامنة، وأولوا أو فوضوا الصفات الذاتية الخبرية والصفات الفعلية المتعلقة بالمشيئة، ففرقوا، أيضا، بين متماثلين، إذ القول في بعض الصفات كالقول في بعض.
وإن احتجوا بأن إثبات ما عدا صفات المعاني يلزم منه التشبيه، لزمهم التشيبه فيما أثبتوه، فللمخلوق حياة وإرادة وسمع وبصر ................. إلخ، وإن قالوا: له حياة لا كحياة المخلوق وإرادة لا كإرادة المخلوق .......... إلخ، فالجواب: وكذلك له استواء لا كاستواء المخلوق، ونزول لا كنزول المخلوق، وغضب لا كغضب المخلوق، وضحك لا كضحك المخلوق ................ إلخ، من الصفات التي أولوها تنزيها كما اعتقدوا!!!!!.
مع التنبيه على أن هذه القاعدة مطردة في باب صفات الكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، احترازا من قول القائل: وله بكاء لا كبكائنا، أو يأكل لا كأكلنا، أو يشرب لا كشربنا، أو ينكح لا كنكاحنا، تعالى الله عز وجل عن ذلك علوا كبيرا، فهذه الصفات، وإن كان بعضها كمالا في حقنا، إلا أن فيها نقصا لا ينفك عنها.
&&&&&
خاتمة:
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"ومذهب السلف أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، ونعلم أن ما وصف الله به من ذلك فهو حق ليس فيه لغز ولا أحاجي، بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه، لاسيما إذا كان المتكلم أعلم الخلق وأفصحهم في البيان والدلالة والإرشاد، وهو سبحانه مع ذلك ليس كمثله شيء لا في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته ولا في أفعاله".
والله أعلى وأعلم
ما سبق مستفاد من رسالة: "مختصر القواعد السلفية"، للشيخ: محمود عبد الرازق، وهي بدروها اختصار لخاتمة ابن تيمية، رحمه الله، المشتملة على قواعد جامعة في هذا الباب، ذكرها في نهاية الأصل الأول من رسالته: "التدمرية".
يتبع إن شاء الله.
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[11 - 09 - 2007, 11:07 م]ـ
جهد رائع
جزاك الله خيرا
وبارك الله فيك وفي شيخنا محمود عبد الرازق
ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 09 - 2007, 01:23 ص]ـ
وجزاك خيرا أبا سهيل، وبارك فيك وسهل لك أمر دينك ودنياك.
ومع آخر المشاركات المطولة التي تتضمن أسسا لهذا الباب الجليل، قبل دخول الشهر الكريم، وفق الله الجميع لصيامه وقيامه.
وهي تحوي مسائل منها:
¥