تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هل الأسماء مشتقة من الصفات أم العكس؟، بمعنى هل: اسم الله: السميع، على سبيل المثال، مشتق من صفة: السمع، أم العكس؟

والكلام في الاشتقاق هنا على ثلاث مراتب:

المرتبة الأولى:

من جهة التكليف والحكم الشرعي: فإنه لا يجوز أن تشتق الأسماء من الصفات، وإنما الصفات هي المشتقة من الأسماء، فتشتق من أسماء السميع البصير: صفات السمع والبصر، ومن: العليم القدير: العلم والقدرة ............ إلخ، ولا يجوز أن تشتق الأسماء من الصفات، لأن هذا الباب توقيفي لا اجتهاد فيه، على الراجح من أقوال أهل العلم، فقد وصف الله، عز وجل، نفسه، بصفات ذات وأفعال من قبيل: الإرادة والاستواء والكلام ............. إلخ، فلا يقال من أسماء الله عز وجل: المريد، أو: المستوي، أو: المتكلم، وإن صح أن يخبر عنه أنه مريد مستو متكلم، فباب الإخبار عن الله، عز وجل، أوسع من باب الصفات، وباب الصفات أوسع من باب الأسماء، إذ كل اسم متضمن لصفة، ولا عكس.

وأجاز بعض العلماء اشتقاق أسماء لله، عز وجل، من صفاته، كـ: الستار والمنعم .............. إلخ، وفق ضوابط معينة.

والمرتبة الثانية:

من جهة الاعتقاد: فالله، عز وجل، متصف بصفات الكمال المطلق، فلا تقاس صفاته على صفات خلقه: قياس شمول تستوي أفراده، أو قياس تمثيل، وإنما يستعمل في حقه، عز وجل، قياس الأولى، فـ: كل كمال مطلق لا يتطرق له النقص بأي وجه من الوجوه، اتصف به المخلوق، فالله، عز وجل، أولى به، فهو خالقه ومانحه، بشرط أن يثبت أولا بنص صحيح، لأن باب الأسماء والصفات: توقيفي لا اجتهاد فيه.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"والله تعالى له المثل الأعلى فلا يجوز أن يقاس على غيره قياس تمثيل يستوي فيه الأصل والفرع ولا يقاس مع غيره قياس شمول تستوي أفراده في حكمه فإن الله سبحانه ليس مثلا لغيره ولا مساويا له أصلا بل مثل هذا القياس هو ضرب الأمثال لله وهو من الشرك والعدل بالله وجعل الند لله وجعل غيره له كفوا وسميا".

"بيان تلبيس الجهمية"، (1/ 327).

والله، عز وجل، تصدر أفعاله عن كمال صفاته، لا العكس، فالبشر يكتسبون الكمال من أفعالهم، فيصيبون ويخطئون، وكلما أصابوا، ازدادوا كمالا، بينما الرب، عز وجل، له الكمال الأزلي المطلق، لم يزدد بفعله كمالا كان معطلا عنه.

وعليه فإنه يصح أن يقال في هذا الموضع بأن: أسماء الله، عز وجل، مشتقة من صفاته، وصفاته قديمة فأسماؤه غير مخلوقة، فالاشتقاق الجائز هنا ليس هو الاشتقاق المحظور في المرتبة الأولى، لأن المراد هنا بيان تعلق الأسماء بالصفات الدالة عليها، فالاسم دال على صفة الكمال التي تضمنها، لا جواز اشتقاق أسماء لم ترد في النصوص.

المرتبة الثالثة:

الاشتقاق اللغوي: فإذا نظرنا إلى اشتقاق الأسماء والصفات من الجانب اللغوي، فمن جهة اللغة واشتقاق الألفاظ يصح القول بأن الأسماء الحسنى مشتقة من الصفات والأفعال، وأنها ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى، وتسمية النحاة المصدر والمشتق منه: أصلا وفرعا ليس معناه تولد أحدهما من الآخر، وإنما هو باعتبار أن أحدهما متضمن للآخر وزيادة.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"زعم السهيلي وشيخه ابن العربي أن اسم الله غير مشتق، لأن الاشتقاق يستلزم مادة يشتق منها، واسمه سبحانه قديم لا مادة له فيستحيل الاشتقاق ولا ريب أنه إن أريد بالاشتقاق هذا المعنى فهو باطل، ولكن من قال بالاشتقاق لم يرد هذا المعنى ولا ألم بقلبه، وإنما أراد أنه دال على صفة له تعالى وهي: الإلهية، كسائر أسمائه الحسنى من العليم والقدير فإنها مشتقة من مصادرها بلا ريب، وهي قديمة، والقديم: لا مادة له، فما كان جوابكم عن هذه الأسماء كان جواب من قال بالاشتقاق في الله تعالى، ثم الجواب عن الجميع: أنا لا نعني بالاشتقاق إلا أنها ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى، لا أنها متولدة تولد الفرع من أصله".

والاختلاف في معاني الكمال التي تتضمنها أسماء الله، عز وجل، يقع من جهتين:

الجهة الأولى:

جهة الاختلاف في الجذر اللغوي، وإن تقارب معنى الاسمين حتى يظن ترادفهما، ومثاله:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير