ومنها ما ورد على صيغة اسم التفضيل وهو: ما يدل على وجود الصفة مع قصد المقارنة كـ: "الأول" و "الآخر" و "الأكرم" و "الأعلى"، وبعض العلماء يقول بأن معنى التفضيل في هذه الأسماء غير مقصود، لأن الله، عز وجل، لا يشاركه أحد كمال صفاته ليفضل عليه فيها، وإنما هي مؤولة بـ: "فاعل"، فيكون الأكرم بمعنى: الكريم، فعيل بمعنى فاعل، و الأعلى بمعنى: العالي، وهكذا.ومنه قوله تعالى: (وربك أعلم بمن في السماوات والأرض)،
يقول الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله، في "شرح الواسطية" معلقا على هذه الآية:
وكلمة: "أعلم" هنا اسم تفضيل، ولقد تحاشاها بعض العلماء، وفسر: "أعلم" بـ: "عالم" فقال: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، أي: هو عالم بمن ضل عن سبيله، وهو عالم بالمهتدين، قال: لأن: "أعلم": اسم تفضيل، وهو يقتضي اشتراك المفضل والمفضل عليه، وهذا لا يجوز بالنسبة لله، لكن "عالم": اسم فاعل، وليس فيه مقارنة ولا تفضيل.
فنقول له: هذا غلط ........................ ، فإذا فسرنا "أعلم" بـ "عالم"، فقد حططنا من قدر علم الله، لأن "عالم" يشترك فيها غير الله على سبيل المساواة، لكن "أعلم" مقتضاه أن لا يساويه أحد في هذا العلم، فهو أعلم من كل عالم، وهذا أكمل في الصفة بلا شك.
ونقول له: إن اللغة العربية بالنسبة لاسم الفاعل لا تمنع المساواة في الوصف، لكن بالنسبة لاسم التفضيل تمنع المشاركة فيما دل عليه.
ونقول أيضا: في باب المقارنة لا بأس أن نقول: أعلم بمعنى: أن تأتي باسم التفضيل، ولو فرض خلو المفضل عليه من ذلك المعنى، كما قال الله تعالى: (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا)، فجاء باسم التفضيل، مع أن المفضل عليه ليس فيه شيء منه إطلاقا.
وفي باب مجادلة الخصم ومحاجته يجوز أن نأتي باسم التفضيل، وإن كان المفضل عليه ليس فيه شيء منه، قال الله تعالى: (آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ)، ومعلوم أن ما يشركون ليس فيه خير، وقال يوسف عليه السلام: (أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)، والأرباب ليس فيها خير. اهـ
"انظر، غير مأمور، شرح الواسطية: ص: 79".
وهناك عدد من الأسماء الحسنى ورد بصيغ مشتركة بين الصفة المشبهة وصيغ المبالغة مثل وزن: فعيل كـ: حسيب وحفيظ وحكيم ورحيم وستير .............. إلخ.
وأيضا: وزن فعول مثل: شكور وغفور وودود وعفو ورءوف.
وكذلك وزن فعل: الذي ورد منه اسم الله الملك.
ومعيارا التفريق بين النوعين هما:
أولا: اتخاذ معنى الصيغة فيصلا حين الحكم، ورد كل ما جاء من "فعيل" إلى الصفة المشبهة إذا كان المراد من الحدث الدلالة على الثبوت، وإلى صيغة المبالغة إذا كان المراد الدلالة على كثرة وقوع الفعل وتكراره.
وثانيا: اتخاذ التعدي واللزوم مقياسا آخر، فما كان من اللازم كان أولى أن ينسب إلى الصفة المشبهة، (لأنها لا تشتق إلا من الأفعال اللازمة كـ: "حسن" من "حسُن"، و "طاهر" من "طهُر")، وما كان من المتعدي كان أولى أن ينسب إلى صيغ المبالغة.
وبهذا يمكن توجيه ما جاء في قوله تعالى: (إنك أنت العليم الحكيم)، قال في الفروق اللغوية: (الحكيم بمعنى: المحكم، مثل البديع بمعنى المبدع ........... أو بمعنى العالم بإحكام الأمور)، فعلى الأول يكون: صيغة مبالغة لتعديه إلى مفعول، وعلى الثاني يكون صفة مشبهة.
وأيضا: السميع والبصير والعليم، فهي صيغ مبالغة لأنها اشتقت من أفعال متعدية، وأما العزيز والعلي فهما صفتان مشبهتان لأنهما اشتقتا من فعلين لازمين.
أنواع الدلالات:
الدلالة المقصودة في هذا البحث هي: الدلالة اللفظية الوضعية، وهي: فهم المعنى عند إطلاق اللفظ، أو هي العلم بالمعنى المقصود، أو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام عند صدوره من المتكلم.
فالعبرة بالمعنى المقصود بغض النظر عن البنية المجردة للكلمة، فالكلمة إذا انتزعت من السياق الدال على المعنى المراد، سواء أكان حقيقة أم مجازا، صارت مجملة تفتقر إلى بيان، والبيان لا يكون إلا من سياق مفيد.
أنواع الدلالات:
¥