والله، عز وجل، كثيرا ما يدعو العقلاء إلى النظر بدلالة اللزوم إلى ما في الكون من آيات تدل على عظمة أوصافه وكمال أفعاله، فتكون من باب الاستدلال على السبب بالمسبب، أو من باب الاستدلال بالمخلوق على الخالق، عز وجل، كما في قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ).
وفي باب الأسماء والصفات يقال بأن: الاسم يدل على الذات والصفة التي يتضمنها: دلالة مطابقة، وعلى أحدهما: دلالة تضمن، وعلى الصفات التي تتضمنها بقية الأسماء: دلالة لزوم، فاسم الله عز وجل: "العليم": يدل على الذات العلية وصفة العلم، كليهما، دلالة مطابقة، وعلى أحدهما، دلالة تضمن، وعلى صفة الحياة، دلالة التزام لأن العلم لا يقوم إلا بحي.
الدلالة الاقترانية لأسماء الله عز وجل:
لأسماء الله، عز وجل، تعلقا بالمخلوقات، وذلك يكون في الأسماء المتضمنة لصفات متعدية كـ: الخلق، والرزق، والمغفرة .......... إلخ، فلا خالق بلا مخلوق له، وإن كان الله، عز وجل، متصفا بالخلق قبل أن يخلق الخلق، ولكنه، عز وجل، "خالق بالقوة" قبل أن يخلق، فلما خلق الخلق، وأخرجه من الوجود إلى العدم، صار "خالقا بالفعل" جل وعلا.
ولا رازق بلا مرزوق، ولا غفور بلا عبد يذنب فيغفر له، وهكذا ...........
ومن أبرز الأسماء التي كثيرا ما ترد مقترنة:
العزيز والحكيم: فكل منهما دال على الكمال الخاص الذي يقتضيه، وهو العزة المطلقة في العزيز، والحكمة المطلقة في الحكيم، والجمع بينهما دال على كمال آخر وهو أن عزته تعالى مقرونة بالحكمة، فعزته لا تقتضي ظلما وجورا، كما يفعل العزيز مع من كان مقهورا، فإن العزيز منهم قد تأخذه العزة بالإثم فيظلم غيره ولا يحكم فعله.
والله، عز وجل، كما أخبر عن نفسه: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)، لتمام علمه وحكمته، لا لكمال عزته وجبروته فقط، كما ذهبت إلى ذلك الجبرية.
والعزيز والعليم: وقد ذكر الله، عز وجل، هذين الاسمين مقترنين بعد بيان قدرته في تسيير الأجرام الفضائية والكواكب الدرية وترتيب مواقيتها الزمنية، كما ورد في قوله تعالى: (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)، وقوله تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)، وقوله تعالى: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)، وذلك ليعلم الجميع أن كل شيء موجود إنما هو بعلم ومشيئة، وليس أمرا تلقائيا عفويا دون عزة وحكمة، فهذا التقدير لمسير الشمس والقمر والليل والنهار وحركات النجوم في مطالعها ومغاربها تقدير ناشئ عن عزته وعلمه.
والعزيز الرحيم: وقد اقترنا كثيرا في أعقاب قصص الأنبياء، كما في سورة الشعراء، إذ جاء عقيب كل قصة من قصص الأنبياء المذكورة فيها قوله تعالى: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)، فجعل العزة في مقابل النقمة على أعداء الرسل الذين هلكوا، وجعل الرحمة في مقابل النعمة على أتباع الرسل الذين نجوا.
يقول الزركشي رحمه الله: "وأما مناسبة قوله: العزيز الرحيم، فإنه تعالى نفى الإيمان عن الأكثر فدل بالمفهوم على إيمان الأقل فكانت العزة على من لم يؤمن والرحمة لمن آمن وهما مرتبتان كترتيب الفريقين".
"البرهان"، (3/ 20).
والسميع والعليم: وهما يقترنان عند الاستعاذة من الشيطان الرجيم، لأنه غير مرئي، قال تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
وأما الاستعاذة من شياطين الإنس، فقد قرن الله، عز وجل، فيها بين: السميع والبصير، لأن شياطين الإنس مرئية، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
¥