المعنى الأول: السيطرة والحفظ، وقد وصف القرآن بأنه مهيمن على ما سبقه من الكتب، في قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)، فهو ناسخ لها، دال على ما صح منها ولم يقع فيه تحريف من الأحكام والأخبار، ولذا كان الراجح في مسألة: شرع من قبلنا، التي يتناولها الأصوليون في مبحث: "أدلة الأحكام": أنه شرع لنا إذا حكاه شرعنا، وأقره: تصريحا، أو حتى بالسكوت عليه، فمجرد ذكره في شرعنا مع عدم نقضه إقرار بصحته وجواز العمل به، ولو كان باطلا لنقضه القرآن كما وقع في أقوالهم الباطلة التي أتى عليها القرآن بالنقض.
والمعنى الثاني: المؤمن: الذي أمن غيره من الخوف، فهو بهذا يقترب في دلالته من اسم الله: "المؤمن" في أحد معانيه وهي: أن العباد قد أمنوا من أن يظلمهم فلا حاجة له، عز وجل، في ظلمهم، لأن الظالم لا يظلم إلا لافتقاره إلى ما في يد المظلوم فيقهره ليقضي حاجته منه، والله، عز وجل، منزه عن الافتقار والحاجة، فهو الغني بذاته المغني لغيره، فمنه تستمد الخلائق كلها: أسباب البقاء والغنى.
والمعنى الثالث: العلو: فالله، عز وجل، علي على خلقه: علو شأن، وعلو قهر، وعلو ذات.
8_ العزيز:
العزيز: صيغة مبالغة على وزن "فعيل" من: عز يعز عزا وعزة.
وللعزة معان تليق بذات الباري، عز وجل، منها:
أولا: الغلبة: وهذه هي عزة القدر، ومنه قوله تعالى: (فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ)، يقول أبو السعود رحمه الله:
{وَعَزَّنِى فِى الخطاب} أي غلبنِي في مخاطبتِه إيَّاي محاجَّةً بأنْ جاء بحجاجٍ لم أقدرْ على ردِّه في مغالبته إيَّاي. اهـ
فهو، عز وجل، عزيز، لا غالب له بل هو غالب كل شيء.
ثانيا: العزيز بمعنى: الجليل الشريف الرفيع الشأن، ومنه قوله تعالى: (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)، فابن سلول، لعنه الله، رأى نفسه وأتباعه من المنافقين: أسيادا أجلاء، ورأى المهاجرين: أذلاء، فأبطل الله، عز وجل، دعواه، بقوله: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ).
فالله، عز وجل، جليل، رفيع القدر، عزيز الجانب، لا يقدر أحد على إيصال الأذى إليه، وفي الحديث القدسي: (يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي).
ثالثا: القوة والمنعة: ومنه قوله تعالى: (إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ)، وقولك: أرض عزاز: أي قوية صلبة.
رابعا: العزيز بمعنى المنقطع النظير: ومنه حديث: (عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ مُجَاشِعٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَعَزَّتْ الْغَنَمُ فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إِنَّ الْجَذَعَ يُوَفِّي مِمَّا يُوَفِّي مِنْهُ الثَّنِيُّ)، فلما قلت الغنم وندرت رخص لهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الأضحية في الجذع من الضأن وهو الذي بلغ: ستة أشهر، فهو يعدل الثني أو المسنة من الماعز التي بلغت عاما.
والله، عز وجل، عزيز، لا ند له، ولا نظير، ولا مثيل، ولا شبيه.
9_ الجبار:
الجبار: صيغة مبالغة على وزن "فعال"، من جبر الشيء إذا: أصلحه بضرب من القهر، ومنه جبر العظم أي: أصلح كسره، وجبر الفقير أي: أغناه، ويستعمل الجبر مرادفا للإكراه على الفعل والإلزام بلا تخيير.
فالجبار، عز وجل، هو الذي يجبر الفقر بالغنى، والمرض بالصحة، والخيبة والفشل بالتوفيق والأمل، والخوف والحزن بالأمن والاطمئنان.
¥