تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكل من استكبر عن عبادة الله لابد أن يعبد غيره فإن الإنسان حساس يتحرك بالإرادة وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أصدق الأسماء حارث وهمام)، فالحارث الكاسب الفاعل والهمام فعال من الهم والهم أول الإرادة فالإنسان له إرادة دائما وكل إرادة فلابد لها من مراد تنتهي إليه فلابد لكل عبد من مراد محبوب هو منتهى حبه وارادته فمن لم يكن الله معبوده ومنتهى حبه وإرادته بل استكبر عن ذلك فلابد أن يكون له مراد محبوب يستعبده ويستذله غير الله فيكون عبدا لذلك المراد المحبوب إما المال وإما الجاه وإما الصور وإما ما يتخذه إلها من دون الله كالشمس والقمر والكواكب والأوثان وقبور الأنبياء والصالحين أو من الملائكة والأنبياء الذين يتخذهم أربابا أو غير ذلك مما عبد من دون الله) ". اهـ

"رسالة العبودية"، ص125_132.

فمن أظلم ممن نازع الله، عز وجل، خصائص ربوبيته، فادعى لنفسه الكبرياء وهي شاهدة عليه بنقصه وفنائه.

وكل من تكبر عن التأله للإله الحق، فإنه لابد متأله لغيره من المعبودات الباطلة، فالتذلل والتعبد أصل فيه، مهما ادعى من كبرياء وعظمة، فإن لم يذل لربه، جل وعلا، ذل لغيره من مال أو جاه أو سلطان، أو صورة محرمة ......... إلخ.

وما وقع الغلو في الملائكة والأنبياء والأئمة والأولياء، إلا لتقصير في حق المعبود الحق، جل وعلا، فلما أقفرت القلوب من معرفة كمالاته المطلقة الموجبة لكبرياءه، راحت تتلمس التذلل والتعبد لسواه، ولو عرفته بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وأفعاله المتناهية في الحكمة لما ابتغت معبودا سواه، فلا معبود بحق سواه، وهذا هو معنى: "لا إله إلا الله": الكلمة التي خلقنا من أجلها، فلها أرسلت الرسل وأقيمت سوق الجهاد وسلت سيوف الحق على الباطل وأريقت الدماء على جنبتي طريقها، فلم تصل إلينا من طريق معبد، وإنما وصلت من طريق خضب بدماء الموحدين في ساحات الوغى، و: من خطب الحسناء لم يغلها المهر، فهي، عند التحقيق، تستحق بذل المهج وإنفاق الأموال وإفناء الأعمار من أجلها.

وأخيرا تجدر الإشارة إلى مسألة الصفات التي تتفاوت في دلالتها على الكمال أو النقص تبعا للموصوف، فمن الصفات:

ما هو كمال مطلق في حق الخالق والمخلوق كـ: العلم، والسمع، والبصر، والكلام ......... إلخ، فهذه يجوز إطلاقها على المخلوق، مع كون كمالها في حقه محدودا، ويجب إثبات كمال ما جاءت به النصوص الصحيحة منها لله، عز وجل، من باب أولى، لأنه خالق الكمال الذي اتصف به خلقه، وخالق الكمال أولى به.

ومنها ما هو: كمال في حق الخالق، عز وجل، نقص في حق المخلوق، كـ: صفة الكبرياء، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

ومنها ما هو: كمال في حق المخلوق، نقص في حق الخالق، عز وجل، كالصاحبة والولد والأكل والشرب ......... إلخ، فهذه لا يجوز وصف الباري، عز وجل، بها، لأنها، وإن احتوت كمالا، إلا أنها لا تنفك عن نقص الحاجة والافتقار اللذين تنزه الباري، عز وجل، عنهما.

ومع:

11_ الخالق:

فـ: "الخالق": اسم فاعل من: خلق، يخلق، خلقا، والخلق قد يطلق على:

مصدر الفعل: كما في قوله تعالى: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ).

أو المخلوق، فيكون بمعنى "المفعول": كما في قوله تعالى: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ)، أي: هذه مخلوقاته التي بهر إتقانها العقول فأروني ماذا خلق الذين تعبدونهم من دونه حتى يستحقوا صرف هذه العبادة لهم، ففي الآية تعريض بهم، وإشارة لطيفة لتوحيد الألوهية بدلالة توحيد الربوبية، فمن خلق وأتقن، وهذا من مقتضيات الربوبية، هو المستحق للعبادة، وهذا هو مقتضى الألوهية.

والخلق يأتي بمعان من أبرزها:

التقدير: وهو المعنى المتبادر إلى الذهن عند اقتران اسم الله عز وجل: "الخالق" بـ: "البارئ" و "المصور"، وشاهده من كلام العرب قول الشاعر مادحا:

ولأنت تفري ما خلقت ******* وبعض الناس يخلق ثم لا يفري

أي: ولأنت تفعل ما قدرت، خلاف غيرك ممن يقدر ولكنه يعجز عن فعل ما قدره.

وهذا المعنى ثابت لله، عز وجل، فهو المقدر لكل المخلوقات قبل إخراجها من العدم إلى الوجود.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير