ويأتي بمعنى: نفس الإيجاد من العدم، وهو التالي للتقدير، ومنه قوله تعالى: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا).
فيكون بمعنى اسم الله: "البارئ".
ويأتي بمعنى الكذب: لأن الكاذب يؤلف كلاما لا حقيقة له في الخارج، ومنه قوله تعالى: (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا)، وهذا المعنى، بطبيعة الحال، منتف عن الله، عز وجل، فخبره الصدق وحكمه العدل.
والخلق هو المرتبة الرابعة من مراتب القدر، فالله، عز وجل، علم فكتب فشاء فخلق، فيكون الخلق هنا، أيضا، بمعنى إيجاد الذوات والأفعال من العدم.
ومع:
12_ البارئ:
فالبارئ: اسم فاعل من من: برأ، يبرأ، برءا، و:
برُء بمعنى: خلا من العيب، فيكون لازما.
وبرئ المريض بمعنى: شفي من المرض.
وأبرأ فلان فلانا من دينه بمعنى: خلصه منه، فيتعدى بالهمزة.
ويقال بريت القلم وبريت القوس بمعنى: جعلتهما صالحين لما سيستخدمان فيه من كتابة وإصابة.
فإذا قصد باسم: "البارئ": المعنى اللازم، فإنه يدل على وصف الله، عز وجل، بأنه السالم من كل عيب، المنزه عن كل نقص، فيكون مدلوله مدلول نفي، تماما كاسم الله: "السلام"، وسبقت الإشارة إلى أن معنى النفي في هذا الباب ليس مقصودا لذاته، وإنما هو مقصود لغيره، ألا وهو: إثبات كمال الضد المنفي، فهو، عز وجل، سالم من كل عيب، متصف بكل كمال مطلق.
وإذا قصد به المعنى المتعدي، فإنه يدل على المرحلة التالية للتقدير، وهي: الإيجاد من العدم، فالباري، عز وجل، هو الذي أخرجنا من العدم إلى الوجود ووهبنا الحياة التي تسري في أجسامنا.
ويأتي الإبراء، أيضا، بمعنى: فصل كل جنس عن الآخر، وتصوير كل مخلوق بما يناسب الغاية من خلقه، فللحجر صورة تناسبه، وللشجر أخرى تناسبه، وللحيوانات العجماوات صورة تناسبها، وللإنسان العاقل الناطق صورة تناسبه، فالله، عز وجل، هو: (الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى).
ومع:
13_ المصور:
فالمصور: اسم فاعل من: صور يصور تصويرا.
والصورة قد تكون محسوسة تدركها الحواس، وقد تكون معقولة توجد في الأذهان دون الأعيان، وهي المعاني الكلية التي لا تقوم بنفسها: قيام الذوات المحسوسة.
فالصورة المحسوسة: صورة زيد وعمرو.
والصورة المعقولة: صورة علم وفضل وكرم وشجاعة زيد .......... إلخ من الأوصاف التي لا تقوم إلا بموصوفها.
فالتصوير هو المرحلة التالية للبرء، فبعد إيجاد الشيء من العدم، يصوره الله، عز وجل، بصورة لا يشاركه فيها أحد، تماما، كما لا تتطابق بصمتان في عالم البشر، فلكل صورة وعلامة تميز وجوده عن وجود من سواه.
ولذا كانت هذه الأسماء الثلاثة: الخالق البارئ المصور، مقترنة، لشدة تلازمها، فالله، عز وجل، يقدر ثم يخرج مقدوره من العدم ثم يهبه علامة تميزه عما سواه من المقدورات، وهذا من بديع صنعه عز وجل.
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 09 - 2007, 01:42 ص]ـ
ومع:
14_ الأول:
فالأول في اللغة على وزن "أفعل" من: آل يؤول أولا، وهو صفة مشبهة للموصوف بالأولية.
وأولية الله، عز وجل، مطلقة، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، كما فسره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، مرفوعا، من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه وفيه: (اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ)، فأكد إثبات الأولية: (أنت الأول)، بنفيها عمن سواه: (فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ).
فالله، عز وجل، هو الذي لم يسبقه في الوجود شيء، وهو الذي علا بذاته وشأنه فوق كل شيء، وهو الذي لا يحتاج إلى غيره في شيء.
ومن أوليته، عز وجل، تقدمه مطلقا في كل وصف كمال، فكل كمال مطلق له منه ذروته، فهو الأول في كل كمال، لا تحد كماله العقول.
¥