تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فليست أوليته بالنسبة لما بعده، كما يقول من ينكر وصف الله، عز وجل، بالإثبات، ويقتصر على أوصاف النفي والإضافة، فيقول: ليس بكذا وكذا، أو: هو أول باعتبار ما بعده، آخر باعتبار ما قبله .......... إلخ، فيفر بذلك من وصف الله، عز وجل، بصفات الكمال الثبوتية التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهي، عند التحقيق، غالب أوصاف الله عز وجل.

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الموضع:

أن من لوازم الكمال أنه: فعال لما يريد أزلا وأبدا، وفي التنزيل: (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)، و: (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)، فلم يكن الباري، عز وجل، معطلا عن الفعل، ثم صار فاعلا، فهو الخالق، قبل أن يخلق، فله أولية الصفة، قبل خلق الخلق، وهو الرازق، قبل أن يرزق، فله أولية الصفة، قبل رزق العباد ........... إلخ، فله صفات الكمال الأزلي الأبدي، التي تصدر عنها أفعاله، خلاف البشر الذين يصدر كمالهم عن أفعالهم، باكتساب الخبرة من تكرار الفعل حتى يبلغوا درجة الإتقان فيه، فيصح وصفهم بالخبرة والإتقان والمهارة ....... إلخ من الصفات التي تليق بالبشر، فيقال: هذا طبيب خبير أو متقن أو ماهر أو حاذق ........ إلخ، لأنه أفنى من عمره كذا وكذا من السنين في دراسة علم الطب وعلاج المرضى، حتى صارت عنده ملكة تشخيص الداء ووصف الدواء المناسب، وبطبيعة الحال: تصور هذا المعنى في حق الله، عز وجل، من أفسد ما يكون، لأن فيه كمالا مسبوقا بنقص، والله، عز وجل، له الكمال المطلق الذي لا يسبقه ولا يعتريه ولا يلحقه أي نقص، وهو قول اليهود الذين قالوا بأن الله، عز وجل، خلق الخلق ليجرب ويزداد خبرة بخلقه!!!!!، وجاء في توراتهم المحرفة: (إن الله لما رأى الفساد والشر استشرى بالناس بكى حتى رمدت عيناه وقال: لماذا خلقت الإنسان؟!!!!)، وقد سار على دربهم من مبتدعة هذه الأمة وضلالها من قال ببدعة: "البداء"، فعندهم الله، عز وجل، يفعل الفعل، ثم يبدو له أن يرجع عنه!!!!، ولازم هذا القول الفاسد: أن الله، عز وجل، موصوف بعدم العلم، فقد فوجيء بفعل عباده فبدا له رد فعل مناسب!!!!، أو أنه موصوف بعدم الحكمة، فقد علم وقدر ما هم فاعلون، ولكن تراءت له المصلحة بعد ذلك في غير ما قد علم وقدر من الأزل!!!!، ولا أقبح من هذا القول الذي فيه قياس أفعال الله، عز وجل، على أفعال الجهال السفهاء من عباده الذين يجهلون عواقب الأمور أو لا يحسنون التقدير، فعندهم من فساد التصور الناشئ عن الجهل ما عندهم، تعالى الله، عز وجل، عما يقول الظالمون علوا كبيرا، فأين أولئك وأولئك من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)، وهل يكتب المقادير إلا من اتصف بالعلم الأزلي والحكمة البالغة التي تعجز العقول عن إدراكها في كثير من المواضع؟!!

وبهذا التقرير يمكن الرد أيضا على شبهة المتكلمين في نفي صفات الأفعال المتعلقة بمشيئة الله، عز وجل، كالكلام، والرضا، والمحبة، والسخط، والكره، والغضب ......... إلخ، بدعوى أنه يلزم منها أن الله، عز وجل، قد قامت بذاته القدسية الحوادث المخلوقة، أي الأفعال الحادثة المتعلقة بالمشيئة، وقد وقعوا، كعادتهم، في فخ قياس صفات وأفعال الله، عز وجل، على صفات وأفعال خلقه، فلم يعرفوا من الكلام إلا كلام المخلوقين الذين يحدث بعد أن كان عدما، بينما كلام الله، عز وجل، قديم النوع، فالله عز وجل متصف بصفة الكلام من الأزل، حادث الأفراد، فأفراد كلامه حادثة بمعنى أنها متجددة لا مخلوقة، فالحدوث في اللغة يأتي بمعنى التجدد الذي لا يلزم منه وجود بعد عدم، وفي التنزيل: (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ)، و: (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ)، وهذا الحدوث تبع لمشيئته، عز وجل، فهو يتكلم بما شاء كيف شاء متى شاء، فآحاد أفعاله حادثة ولكنها ليست مخلوقة كآحاد أفعال البشر لتقاس عليها، فذات الله، عز وجل، وصفاته، وأنواع

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير