فالرؤية أعم من الإدراك، فلا يلزم من رؤية الشيء إدراكه، تماما كما استدل ابن عباس، رضي الله عنهما، في تفسير قوله تعالى: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، برؤية السماء، فالناظر إليها: يراها، وإن كان بصره لا يحيط بها، مع كونها مخلوقة، فكيف بالخالق، عز وجل، فله المثل الأعلى، فلا يدرك بالأبصار من باب أولى، وإن كان أهل الجنة يرونه يوم القيامة.
والشيء لا يرى إما:
لكونه خفيا لا يرى، وهذا محال في حق الله، عز وجل، في الآخرة، فإن لازم قول من نفى رؤيته يوم القيامة أن بقية المرئيات المخلوقة أكمل منه لكونها ذواتا تدركها الأبصار.
وأما في الدنيا فإن استحالة رؤيته: كمال في حقه، لأن فيه مزيد تعظيم له في قلوب عباده الذين احتجب عنهم في دار الفناء، وامتن عليهم بمعرفة بعض أسمائه الحسنى وصفاته العلى التي جاء بها الوحي، فالعباد ممتحنون بالإيمان به دون رؤيته، وإلا لو ظهر لهم في هذه الدار، لآمن من في الأرض كلهم جميعا، فسقط الابتلاء وصار الغيب شهادة، والإيمان لا يكون إلا بما غاب عن مدركات البشر، فما جدوى الإيمان بشيء تدركه الحواس؟!!.
فمن آمن في الأولى كوفئ في الأخرى بانكشاف حجاب النور ورداء الكبرياء، فصار الغيب الذي آمن به شهادة، والجزاء من جنس العمل.
وإما: لضعف إدراك البشر في هذه الدنيا، فالأبصار والأجساد لا تطيق رؤيته في هذه الدار الفانية، ولما طلبها موسى صلى الله عليه وسلم، قال له الله عز وجل: (لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي)، (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)، وأما في الدار الباقية، فإن الأجساد تكون غير الأجساد والأبصار غير الأبصار، فيركب الباري، عز وجل، أهل الجنة في صورة تصلح لهذا المقام الجليل، فيرونه فضلا منه ومنة عليهم.
والبطون صفة تشمل أيضا: العلم والإحاطة والهيمنة.
وهذه الصفات كما تقدم: دالة على كمال الإحاطتين:
الزمانية: في اسمي: الأول والآخر.
والمكانية: في اسمي: الظاهر والباطن.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 09 - 2007, 06:41 م]ـ
ومع:
18_ السميع:
فالسميع لغة على وزن: فعيل، صيغة مبالغة: من: سمع يسمع سمعا.
ويطلق السمع في لغة العرب على عدة معان من أبرزها:
مطلق السمع: وهو إدراك المسموعات، فيقال: سمع فلان كلام فلان، أي أدركه بقوة السمع التي خلقها الله، عز وجل، فيه، فالحواس لا تعمل إلا بإذن الله، عز وجل، فلو شاء لعطلها عن العمل، فلا ينتفع بها صاحبها.
و: الاستماع: وهو أخص من السمع، لأن فيه نوع إنصات، وفي التنزيل: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ)، وهو متعد بنفسه فتقول: استمعت القرآن، وبغيره فتقول: استمعت إلى القرآن، فلم يكن استماعهم إلى القرآن: سماعا عابرا، وإنما كان استماعا، بدليل تواصيهم بالإنصات والانتباه في قوله تعالى: (قَالُوا أَنْصِتُوا).
و: الفهم: فتقول: سمعنا وأطعنا: أي فهمنا أمرك، وأطعناه.
و: الطاعة: فيقال: سمع فلان كلام فلان: أي أطاعه وامتثل له.
و: إجابة الدعاء: فيقال: سمع الله دعاء فلان: أي استجابه، ومنه دعاء الرفع من الركوع: (سمع الله لمن حمده)، أي: أجابه، فلا يتصور أن المقصود هنا مجرد إدراكه، لأن ذلك حاصل لكل المسموعات، ولو كان المتكلم كافرا، فالله، عز وجل، محيط، بكل المسموعات إحاطة عامة، فدل ذلك على أن إجابة الدعاء أخص من مطلق إدراكه.
¥