تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و: النصرة والتأييد: ومنه قوله تعالى: (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)، أي: أسمع كلامكما وأرى مكانكما فلا يصلون إليكما بأذى، فلا يتصور هنا، أيضا، أن المقصود: أسمعكما وأراكما سمع ورؤية إحاطة، لأن هذين حاصلان لكل أحد، بل حاصلان لمن بعثا إليه، فما الذي امتازا به عنه إن كان المقصود مجرد الإحاطة؟!.

والسمع صفة ذات وصفة فعل، فهو من جهة أصله:

صفة ذات، فالله، عز وجل، متصف بالسمع أزلا وأبدا، ولا يعني تجدد المسموع تجدد السمع، فلا يقال بأن تجدد مسموعات الله، عز وجل، من كلام خلقه ودعائهم، يلزم منه تجدد صفة سمعه، فيكون قد طرأ على ذاته القدسية من الكمالات ما كانت معطلة عنه، تعالى عز وجل عن ذلك علوا كبيرا، تماما كما يسمع الإنسان صوت الأذان في اليوم أكثر من مرة، فيتجدد مسموعه، ولا يقال بأن سمعه، الذي هو إدراكه للأذان المسموع قد تجدد، ولله المثل الأعلى.

وسمع الله، عز وجل، بهذا القيد، معناه: الإحاطة بكل المسموعات، فهو سامع لكل كلمة نتلفظ بها، لا يشغله سمع عن سمع، فلا يؤثر في سمعه: اختلاف الأصوات وتعدد اللغات، فله منه الكمال المطلق والإدراك التام.

والسمع من جهة آحاد المسموعات:صفة فعل: لأنه يتعلق بمشيئة الله، عز وجل، فهو قد سمع قول المجادلة في قوله تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ)، وقت أن جاءت تشكو زوجها للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتعلق سمعه، عز وجل، بآحاد مسموعات خلقه، تعلق صفة المشيئة بآحاد الأفعال، فشاء الرب، جل وعلا، أن يسمع كلام المجادلة وقت أن جاءت تشكو.

وكذا من جهة: إجابة الدعاء: فهو صفة فعل تختص بعباده المؤمنين، لأنهم هم الذين يدعونه رغبا ورهبا، اللهم ما ورد استثناؤه من إجابة دعوة المظلوم، ولو كان كافرا.

والإجابة قد تتخلف لعدم استيفاء شروط الإجابة من إخلاص وطيب مطعم ...... إلأخ، أو لوجود مانع من: دعاء بإثم أو قطيعة .......... إلخ، وفي البخاري من طريق أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، مرفوعا: (لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ)

وكذا من جهة: نصرة أوليائه، فهي صفة فعل تتعلق بمشيئته، عز وجل، وهي مختصة بعباده المؤمنين دون من سواهم، فالله، عز وجل، ناصر الرسل وأتباعهم، ومخزي الكافرين وأعوانهم، وفي التنزيل: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)، والنصر كالدعاء تماما: له شروط لا يتحقق بتخلف أحدها، وموانع لا يتحقق بوجود أحدها، فمن شروطه: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)

ومن موانعه: (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ).

والسمع قد يأتي بمعنى الإسماع:

فالله، عز وجل، يُسمِع من يشاء من عباده ما شاء من وحيه على لسان رسله عليهم الصلاة والسلام، وفي التنزيل: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)، فمنهم من يسمع فينتفع، ومنهم من يسمع فلا يزداد إلا نفورا لعدم صلاحية المحل للانتفاع بنصوص الوحي المنزل، ومن الناس من تطوف أرواحهم حول العرش، ومنهم من تطوف أرواحهم حول الحش.

فالحاصل أن سياق الآية هو الذي يحدد نوع السمع المراد فيها على التفصيل السابق.

ومع:

19_ البصير:

فالبصير لغة على وزن فعيل من: بصُر، يبصر، بصرا.

والبصر يثبت في حق الله، عز وجل، بمعنى:

إدراك المبصرات: فلا يغيب عنه شيء منها، فهو بصير بعينين حقيقيتين، أثبتهما لنفسه، على وجه يليق بذاته القدسية، لا يعلم كيفيتهما إلا هو، فالكلام فيهما، كالكلام في بقية الصفات سواء أكانت ذاتية أم فعلية، فرع على الكلام في ذاته القدسية، ولا يدرك كيفيتها إلا هو، فكذا صفاته العلى.

ويأتي بمعنى: العلم، وفي التنزيل: (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

ويأتي بمعنى: النصرة والتأييد، كما سبق في صفة السمع في قوله تعالى: (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى).

والله أعلى وأعلم.

يتبع إن شاء الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير